عنهم. ومحال إذا رجعنا إلى أنفسنا واستشففنا حال الناس فيما جبلوا عليه١ أن يكونوا قد عرفوا لما تحدوا إليه وفرعوا بالعجز عنه شبهًا ونظمًا، ثم يتلى عليهم: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]، فلا يزيدون في جوابه على الصمت، ولا يقولون: "لقد روينا لمن تقدم ما علمت وعلمنا أنه لا يقصر [عما] أتيت به، فمن أين استجزت أن تدعي هذه الدعوى"؟
فإذا كان من المعلوم ضرورة أنهم لم يقولوا ذلك، ولا رأوا أن يقولوا، ولو على سبيل الدفع والتلبيس والتشعب بالباطل٢، بل كانوا بين أمرين: إما أن يخبروا عن أنفسهم بالعجز والقصور، وذلك حين يخلو بعضهم ببعض، وكان الحال حال تصادق وإما أن يتعلقوا بما لا يتعلق به إلا من أعورته الحيلة، ومن فل بالحجة٣، من نسبته إلى السحر تارة، وإلى أنه مأخوذ من فلان وفلان أخرى٤، يسمون أقوامًا مجهولين لا يعرفون بعلم، ولا يظن بهم أن عندهم علمًا ليس عند غيرهم٥ ثبت أنهم قد كانوا علموا أن صورة أولئك الأوائل صورتهم، وأن التقدير فيهم أنهم لو كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تحدوا إلى معارضته، في مثل حال هؤلاء الكائنين في زمانه حالهم. وإذا كان هذا هكذا، فقد انتفى الشك، وحصل اليقين الذي تسكن معه النفس، ويطمئن
٢ غير ما في المخطوطة فكتب "الشغب"، كأنه ظنه خطأ!
٣ في المخطوطة والمطبوعة: "فعل بالحجة"، وهو خطأ ظاهر. و "فله يفله"، كسره وهزمه.
٤ في المخطوطة والمطبوعة: "وفلان آخر" كلام غير مستقيم.
٥ السياق من أول الفقرة: "فإذا كان من المعلوم".