٢٦ - وفي الذي قدمت في أول الجزء مفتتح هذه الرسالة من قول خالد ابن صفوان: "كيف تجاريهم، وإنما نحكيهم"١ وما أتبعته من قول الجاحظ في شأن العرب، وفي أن الاقتداء بهم والأخذ منهم والتسليم لهم، وأنهم لا يستطيع أشعر الناس وأرفعهم في البيان أن يضاهيهم، ويقول مثلا لذي قالوه في جودة السبك والنحت، وكثرة الماء والرونق، إلا في اليسير٢ غنى للعاقل وكفاية، اللهم إلا أن يتجاهل متجاهل فيدعي في الجاحظ وأمثاله فضلًا لم يدعوه لأنفسهم، أو يزعم أنهم ضاموا أنفسهم تعصبًا للعرب، فتشاهدوا لها بأكثر مما عرفوا، وتواصفوها بمزية [ومما] لم يعلموا٣، فيفتح بذلك بابًا من الركاكة والسخف لا يجاب عن مثله، ولا يشتغل بالإصغاء إليه، فضلًا عن الكلام عليه.
٢٧ - واعلم أنه إن خيل إلى قوم من جهال الملحدة٤، أنه كان في المتأخرين من البلغاء كالجاحظ وأشباه الجاحظ، من استطاع معارضة القرآن فترك خوفًا، أو أنهم فعلوا ذلك ثم أخفوه، لم يتصور تخيلهم ذلك حتى يقتحموا هذه الجهالة التي ذكرتها، أعني أن يزعموا أنهم كانوا عند أنفسهم أفصح وأبلغ من بلغاء قريش وخطابئهم، وأن خطيبهم كان أخطب من قس وسحبان، وشاعرهم أشعر من امرئ القيس ومن كل شاعر كان في العرب، إلا أنهم صانعوا الناس،
٢ السياق: "وفي الذي قدمت غنى وكفاية".
٣ جعلها الناشران: "... بمزية لم يعلموها"، والذي أثبته بين القوسين يقيم الكلام على الدرب.
٤ غيرها الناشران فكتبا: "الملاحدة" بلا علة.