٣١ - واعلم أنهم في هذا كرام قد أضل الهدف، وبان قد زال عن القاعدة، وذاك أنه سؤال لا يتجه حتى يقدر أن التحدي كان إلى أن يعبروا عن معاني القرآن أنفسها وبأعيانها بلفظ يشبه لفظه، ونظم يوازي نظمه. وهذا تقدير باطل، فإن التحدي كان إلى أن يجيئوا في اي معنى شاءوا من المعاني بنظم يبلغ نظم القرآن في الشرف أو يقرب منه. بدل على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ [هود: ١٣]، أي مثله في النظم، وليكن المعنى مفترى كما قلتم١، فلا إلى المعنى دعيتم، ولكن إىل النظم، وإذا كان كذلك، كان بينًا أنه بناء على غير أساس، ورمى من غير مرمى، لأنه قياس ما امتنعت فيه المعارضة من جهة وفي شيء مخصوص، على ما امتنعت معارضته من الجهات كلها وفي الأشياء أجمعها.
فلو كان إذ سبق الخليل وسيبويه في معاني النحو إلى ما سبقا إليه من اللفظ والنظم، لم يسبق الجاحظ في معانيه التي وضع كتبه لها إلى ما يوازي ذلك ويضاهيه، أو كان بشار إذا سبق في معناه إلى ما سبق إليه، لم يوجد مثل نظمه فيه لشاعر في شيء من المعاني لكان لهم في ذلك متعلق. فأما وليس من نظم يقال: "إنه لم يسبق إليه" في معنى، إلا ويوجد أمثاله أو خير منه في معان آخر، فمن أشد المحال وأبينه الاعتراض به.
واعلم أنا لو سلمان لهم الذي ظنوه على بطلانه من أن التحدي كان إلى أن يعبر عن أنفس معاني القرآن بما يشبه لفظه ونظمه، لم نعدم الحجاج معهم، وأن يكون لنا عليهم كلام في الذي تعلقوا به، ودفع لهم عنه. إلا أن العلماء آثروا أن يكون الجواب من الوجه الذي ذكرت، إذ وفق ما نص عليه في التنزيل، وكان