وبيتِ ابنِ يَسِير:
وانثنتْ نحوَ عَزْفِ نفسٍ ذهولِ١
وليس اللّفظُ السليمُ من ذلك بِمُعْوِزٍ، ولا بعزيزِ الوجودِ، ولا بالشّيءِ لا يَستطيعُه إلاَّ الشاعرُ المُفْلِق والخطيبُ البليغ، فيستقيمَ قياسُه على السجعِ والتَّجنيس ونحوِ ذلك، مما إذا رامَه المتكلمُ صَعُبَ عليه تصحيحُ المعاني وتأديةُ الأغراض. فقولُنا: "أطالَ اللهُ بقاءك، وأدامَ عزَّك، وأَتمَّ نِعمتَهُ عليك، وزادَ في إحسانه عندَكَ"، لفْظٌ سليمٌ مما يَكُدُّ اللسانَ، وليس في حُروفه استكراهُ، وهكذا حالُ كلامِ الناس في كُتُبهم ومُحاوراتِهم، لا تكادُ تَجد فيه هَذا الاستكراهَ، لأنه إنَّما هو شيءٌ يَعْرِضُ للشّاعرِ إذا تكلَّف وتَعمَّل٢، فأمَّا المُرْسِلُ نفْسَه على سَجيَّتها، فلا يَعْرض له ذلك.
٥٢ - هذا، والمتعلَّلُ بمثلِ ما ذكرتُ من أنه إنَّما يكونُ تلاؤمُ الحروفِ مُعْجزاً بعد أن يكوْنَ اللّفظُ دالاً، لأنَّ مراعاةَ التّعادلِ إنَّما تَصْعبُ إذا احتيجَ معَ ذلك إلى مُراعاةِ المعاني، إذا تأملَت٣ يَذْهب إلى شيءٍ ظريفٍ، وهو أن يُصْعُبَ مَرامُ اللفظِ بسببِ المعنى، وذلك مُحالُ، لأن الذي يَعْرفُه العقلاءُ عكْسُ ذلك، وهو أَن يصْعُبَ مرامُ المعنى بسبب اللفظ، فصعوبةُ ما صَعُبَ من السَّجع، هي صعوبةٌ عرضَتْ في المعاني من أجلِ الألفاظ، وذاك أنَّهُ صعب.

١ مضى الشعران في ص: ٥٧، ٥٨، وكتب هنا في "س": "ابن سيرين" أيضًا، انظر ص: ٥٧، التعليق رقم: ٢.
٢ في: "س": "وتعمد".
٣ السياق: "والمتعلل بما ذكرت،........ يذهب"، وفي هامش "ج" عند "يذهب" قال: "أي المتعلل".


الصفحة التالية
Icon