فإن١ على فساد ذلك أدلة منها قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات﴾ [هود: ١٣]، وذاك أنا نعلم أن المعنى٢: فأتوا بعشر سور تفترونها أنتم وإذا كان المعنى على ذلك، فبنا أن ننظر في الافتراء إذا وصف المعنى، وإذا لم يرجع إلا إلى المعنى وجب أن يكون المراد٣: إن كنتم تزعمون أني قد وضعت القرآن وافتريته، وجئت به من عند نفسي، ثم زعمت أنه وحي من الله، فعضوا أنتم أيضًا عشر سور وافتروا معانيها كما زعمتم أني افتريت معاني القرآن. فإذا كان المراد كذلك، كان تقديرهم أن التحدي كان أن يعمدوا إلى أنفس معاين القرآن فيعبروا عنها بلفظ ونظم يشبه نظمه ولفظه٤، خروجًا عن نص التنزيل وتحريفًا له.
وذاك أن حق اللفظ إذا كان المعنى ما قالوه أن يقال: "إن زعمتم أني افتريته، فأتوا أنتم في معاني هذا المفتري بمثل ما ترون من اللفظ والنظم". يبين ذلك أنه لو قال رجل شعرًا فأحسن في لظفه ونظمه وأبلغ، وكان له خصم يعانده، فعلم الخصم أنه لا يجد عليه مغمزًا في النظم واللفظ، فترك ذلك جانبًا وتشاغل عنه، وجعل يقول: "إني رأيتك سرقت معاني شعرك وانتحلتها وأخذتها من هذا وذاك، فقال له الرجل في جواب هذا الكلام: "إن كنت قد سرقت معاني
٢ في المخطوطة والمطبوعة: "وذاك أنا لا نعلم"، وهو خطأ ظاهر.
٣ في المطبوعة: "وإذا لم يرجع إلا إلى المعنى، كان المراد، لا أدري لم غيروا ما في المخطوطة دون دلالة على التغييرز.
٤ في المطبوعة: "فيغيروا عنها بلفظ"، تصحيف.