- ز -
هذا ما أردت أنبه إليه؛ ليعيد الدارسون النظر في كتاب عبد القاهر، وفي قضية "اللفظ" و "المعنى" التي اختلط الأمر فيها اختلاطًا شديدًا أدى إلى فساد كبير في زماننا هذا، وبالله التوفيق.
والآن، أنصرف إلى القول في النسخ التي اعتمدت عليها في قراءة كتاب "دلائل الإعجاز"، وفي التعليق عليه تعليقًا مختصرًا، وجعلت همي أن يكون قارئ الكتاب ماضيًا في قراءته دون أن يتعثر أو يتلفت تلفتًا يعوقه عن المضي في قراءته، فأعنته بتقسيمه إلى فقر مرقمة، ودللته على سياق كلام عبد القاهر؛ فإن كلامه ربما شق على كثير من أهل زماننا، حين كتب عليهم أن يهجروا كتب أسلافهم من الفحول الأفذاذ.
• النسخة المخطوطة الأولى "ج": وهي من مكتبة "حسين جلبي معاني، بتركية، وعدد أوراقها: ٢٠٣ ورقة"، ليس فيها اسم ناسخها، ولكن تمت كتابتها في أواسط شهر ربيع الأول سنة ثمانٍ وستين وخمسمائة (٥٦٨ هـ)، أي بعد وفاة عبد القاهر بنحو سبع وتسعين سنة، [دلائل الإعجاز: ٥٥٧]، ونص كاتبها في أحد الفصول الملحقة بالكتاب أن "هذا آخر ما وجد على سواد الشيخ من هذا الكتاب، كتب في شعبان المبارك سنة ثنتين وسبعين وخمسمائة"، "٥٧٢ هـ" [دلائل الإعجاز: ٥٦٨]، ثم يذكر في صدر فصل آخر بعده: "هذا مما نقل من مسودته بخطه بعد وفاته رحمه الله"، [دلائل الإعجاز: ٥٣٩]، فدلنا هذا على أنه نقل ما نقل من خط عبد القاهر.
ولكني بقي شيء آخر، هو أن علي هذه المخطوطة في هامشها تعليقات بخط كاتبها، استظهرت -وأنا أقرأ الكتاب عند الطبع- أنها من تعليق عبد القاهر نفسه، حتى جاءت مواضع تقطع قطعًا مبينًا أنها تعليقات عبد القاهر على
والذي لا يُشك أنه كانَ ميدانَ القومِ إِذا تجارَوْا في الفَصاحة والبيان، وتنازَعوا فيهما قَصَبَ الرَّهان، ثم بَحث عنِ العِلل التي بها كانَ التباينُ في الفَضْل، وزادَ بعضُ الشعر على بعضٍ١ كان الصادُّ عن ذلك صادَّاً عن أَن تُعرَف حجةُ الله تعالى، وكان مَثلُه مَثلَ مَن يتصدَّى للنّاسِ فيمنعُهم عَن أنْ يحفظوا كتابَ الله تعالى ويقوموا به ويتلوه ويقرِئُوه، ويصنعُ في الجملةِ صَنيعاً يؤدِّي إِلى أَنْ يَقلَّ حفَّاظُه والقائمونَ به والمُقرئون له. ذاك لأنَّا لم نتعبَّدْ بتلاوتِه وحِفْظه، والقيامِ بأَداء لفظهِ على النَّحو الذي أُنزل عليه، وحراستِه من أن يُغَيَّر ويُبدَّل، إلاَّ لتكونَ الحِجةُ بهِ قائمةً على وجهِ الدَّهر، تُعرَف في كل زمانٍ، ويتوصَّلُ إِليها في كلَّ أَوان، ويكونُ سبيلُها سبيلَ سائرِ العلوم التي يَرويها الخلَفُ عن السَّلف، ويأَثُرُها الثاني عن الأول، فمَنْ حال بيننا وبين ما له كانَ حفْظُنا إيْاهُ، واجتهادُنا في أن نؤدِّيَه ونَرعاه، كَان كَمن رامَ أن يُنْسيناه جُملةً ويُذْهبه من قلوبنا دَفعةً، فسواءٌ مَنْ منَعكَ الشيءَ الذي تنتزع منه الشاهدُ والدَّليلُ، ومَنْ منعَكَ السبيلَ إِلى انتزاعِ تلك الدَّلالةِ، والاطَّلاعِ على تلك الشَّهادةِ، ولا فرقَ بينَ مَن أعدمَك الدواءَ الذي تَسْتَشفي به من دائَك، وتَسْتبقي به حشاشةَ نَفْسك، وبينَ مَن أعدمَكَ العلْمَ بأنَّ فيه شفاءً، وأن لك فيه استبقاء.
الرد على حجج المعتزلة في الإعجاز:
٨ - فإِنْ قال منهُم قائلٌ: إِنّك قد أغْفلتَ فيما رتَّبْت، فإنَّ لنا طريقاً إِلى إِعجازِ القرآنِ غيرَ ما قلتَ، وهو عِلْمُنا بعَجْز العرَب عن أن يأتوا بمثلِه وتَرْكِهم أن يعارضُوه، مع تكرارِ التّحدَّي عليهم، وطولِ التقَّريع لهم

١ سياق الكلام من أول الفقرة: "وذاك أبا إذاكنا نعلم.... كان الصاد عن ذلك... ".


الصفحة التالية
Icon