يَظْهَرَ، وَنَنْسَاهُ حَتَّى لَا يُذْكَرَ [إلَّا] أَنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَهُ بِنَصِّهِ، وَأَوْرَدَهُ بِشَرْحِهِ، كَمَا ذَكَرَ كُفْرَ الْكَافِرِينَ بِهِ. وَكَانَتْ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ قَضَاءَهُ قَدْ سَبَقَ، وَحُكْمَهُ قَدْ نَفَذَ، بِأَنَّ الْكُفْرَ وَالتَّخْلِيطَ لَا يَنْقَطِعَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قَضَى اللَّهُ أَلَّا يَصُدَّ كَافِرٌ عَنْ ذِكْرِ الْكُفْرِ، وَلَا مُبْتَدِعٌ عَنْ تَغْيِيرِ الدِّينِ، قَصَدَهُ بِبَيَانِ الْأَدِلَّةِ، ثُمَّ وَفَّقَ مَنْ سَبَقَ لَهُ عِنْدَهُ الْخَيْرُ فَيَسَّرَ لَهُ مَعْرِفَتَهَا، فَآمَنَ وَأَطَاعَ، وَخَذَلَ مَنْ سَبَقَ لَهُ عِنْدَهُ الشَّرُّ فَصَدَفَهُ عَنْهَا، فَكَفَرَ وَعَصَى ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: ٤٢] فَتَعَيَّنَ عَلَيْنَا أَنْ نُشِيرَ إلَى بَسْطِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ﴾ [الأنعام: ١٣٦] أَيْ: أَظْهَرَ بِالْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا، وَجَمِيعُهُ لَهُ لَا شَرِيكَ مَعَهُ فِي خَلْقِهِ، فَكَيْفَ جَعَلُوا لَهُ شَرِيكًا فِي الْقُرْبَانِ بِهِ مِنْ الْأَوْثَانِ الَّتِي نَصَبُوهَا لِلْعِبَادَةِ مَعَهُ، وَشَرُّ الْعَبِيدِ كَمَا يَأْتِي [بَيَانُهُ] فِي الْأَثَرِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ بِنِعْمَةٍ فَجَعَلَ يَشْكُرُ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، وَكَانَ هَذَا النَّصِيبُ الَّذِي لِلْأَوْثَانِ جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِنْ الْحَرْثِ مَصْرُوفًا فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى خُدَّامِهَا، وَكَذَلِكَ نَصِيبُ الْأَنْعَامِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَهَا قُرْبَانًا لِلْآلِهَةِ.
وَقِيلَ: كَانَ لِلَّهِ الْبَحِيرَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ، وَكَانَ مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ إذَا اخْتَلَطَ بِأَمْوَالِهِمْ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَإِذَا اخْتَلَطَ مَا لِلْأَوْثَانِ بِهَا رَدُّوهُ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٦] الْآيَةَ.
وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ إذَا هَلَكَ مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ لَمْ يَغْرَمُوهُ، وَإِذَا هَلَكَ مَا جُعِلَ لِلْأَوْثَانِ غَرِمُوهُ.
وَقِيلَ: كَانُوا يَذْكُرُونَ اسْمَ الْأَوْثَانِ عَلَى نَصِيبِ اللَّهِ، وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى نَصِيبِ الْأَوْثَانِ، وَهِيَ: