مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِمَا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْفَاكِهَةُ الْخُضَرِيَّةُ أَصْلًا فِي اللَّذَّةِ وَرُكْنًا فِي النِّعْمَةِ مَا وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ. أَلَا تَرَاهُ وَصَفَ جَمَالَهَا وَلَذَّتَهَا، فَقَالَ: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨] فَذَكَرَ النَّخْلَ أَصْلًا فِي الْمُقْتَاتِ، وَالرُّمَّانَ أَصْلًا فِي الْخَضْرَاوَاتِ.
أَوَلَا يَنْظُرُونَ إلَى وَجْهِ امْتِنَانِهِ عَلَى الْعُمُومِ لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا﴾ [عبس: ٢٥] ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا﴾ [عبس: ٢٦] ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا﴾ [عبس: ٢٧] ﴿وَعِنَبًا وَقَضْبًا﴾ [عبس: ٢٨] ﴿وَزَيْتُونًا وَنَخْلا﴾ [عبس: ٢٩] ﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾ [عبس: ٣٠] ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس: ٣١].
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]. وَاَلَّذِي يُحْصَدُ الزَّرْعُ.
قُلْنَا: جَهِلْتُمْ؛ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ نَبْتٍ فِي الْأَرْضِ. وَأَصْلُ الْحَصَادِ إذْهَابُ الشَّيْءِ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠]. وَقَالَ: ﴿حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥]. وَقَالَ: ﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾ [يونس: ٢٤]. وَفِي الْحَدِيثِ: «وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَجَازٌ؛ وَأَصْلُهُ فِي الزَّرْعِ.
قُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ حَقِيقَةٌ؟ وَأَصْلُهَا الذَّهَابُ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ يُقَالُ جِدَادُ النَّخْلِ، وَحَصَادُ الزَّرْعِ، جُذَاذُ الْبَقْلِ؟
قُلْنَا: الِاسْمُ الْعَامُّ الْحَصَادُ؛ وَهَذِهِ خَوَاصُّ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُتَنَاوَلَاتِهِ. وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَصَادَ فِيمَا يُحْصَدُ دَلِيلًا عَلَى الْجِدَادِ فِيمَا يُجَدُّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكْفِي عَنْ الْآخَرِ، وَلَكِنَّ النَّبَاتَ كَانَ أَصْلًا لِقَوْلِهِ: فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ [فَجَعَلَهَا قِسْمًا]


الصفحة التالية
Icon