الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١]
قَالَ بَعْضُهُمْ: ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ الْوُرُودُ بِأَخْذِ الزِّينَةِ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِي الْمَسْجِدِ، تَعْظِيمًا لِلْمَسْجِدِ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ السَّتْرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، فَزَادَ النَّاسُ، فَقَالُوا: " هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ لِلْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ بِالسَّتْرِ فِي الْمَسْجِدِ لِبَيْنِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِي الْمَسْجِدِ.
وَالْفِعْلُ الْوَاقِعُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: طَوَافٍ، وَلَا يَعُمُّ كُلَّ مَسْجِدٍ وَاعْتِكَافٍ، وَلَمْ يَشْرُفْ لِأَجْلِهِ؛ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّلَاةُ؛ وَقَدْ أُلْزِمَ السَّتْرَ لَهَا، فَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِيهَا.
وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى سُقُوطِ مَا زَادَ عَلَى الْعَوْرَةِ، وَبَقِيَ مَا قَابَلَ الْعَوْرَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا مِنْ قَبْلُ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالزِّينَةِ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ.
فَإِنْ قِيلَ: وَيَجْتَمِعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ.
قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ اجْتِمَاعًا مَشْرُوعًا؛ بَلْ يَجُوزُ تَفَرُّقُهُمْ. وَهَا هُنَا إنْ تَفَرَّقُوا فِي الْمَسَاجِدِ كَانَ ذَلِكَ قَطْعًا لِلْجَمَاعَةِ، وَخَرْقًا لِلصُّفُوفِ؛ إذْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ». خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الطَّوَافَ لَا يَعُمُّ كُلَّ مَسْجِدٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ.
[مَسْأَلَة سَقَطَ ثَوْبُ إمَامٍ فَانْكَشَفَ دُبُرُهُ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَغَطَّاهُ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا قُلْنَا: إنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ فَسَقَطَ ثَوْبُ إمَامٍ فَانْكَشَفَ دُبُرُهُ، وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَغَطَّاهُ أَجْزَأَهُ؛ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.