يَوْمِ بَدْرٍ لَمَّا اسْتَوَتْ الصُّفُوفُ وَنَزَلَ جِبْرِيلُ آخِذًا بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ.
«فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَثْيَةً مِنْ الْحَصْبَاءِ، فَاسْتَقْبَلَ بِهَا قُرَيْشًا، فَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ. ثُمَّ نَفَخَهُمْ بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: شُدُّوا» فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ، وَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ رَمَى أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ الْحَرْبَةَ، فَكَسَرَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَرَجَعَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ إلَى أَصْحَابِهِ ثَقِيلًا، فَحَفَظُوهُ حِينَ وَلَّوْا قَافِلِينَ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ كَانَتْ بِالنَّاسِ لَقَتَلَتْهُمْ، أَلَمْ يُقَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ.
وَقَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ أَصَحُّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ بَدْرِيَّةٌ.
[الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ]
ُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: ٢٠] ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: ٢١].
هَذِهِ الْآيَةُ بَيَانٌ شَافٍ وَإِيضَاحٌ كَافٍ فِي أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْمُؤْمِنِ: سَمِعْت وَأَطَعْت، مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ قَوْلِهِ بِامْتِثَالِ فِعْلِهِ؛ فَأَمَّا إذَا قَصَّرَ فِي الْأَوَامِرِ فَلَمْ يَأْتِهَا، وَاعْتَمَدَ النَّوَاهِيَ بِاقْتِحَامِهَا فَأَيُّ سَمْعٍ عِنْدَهُ؟ أَوْ أَيُّ طَاعَةٍ لَهُ؟