وَقَدْ سَمَّانَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِينَ حِينَ قَالَ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر: ٨]. وَسَمَّاكُمْ الْمُفْلِحِينَ، فَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩]. وَأَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَكُونُوا مَعَنَا حَيْثُ كُنَّا، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩]. وَقَالَ لَكُمْ النَّبِيُّ «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ». وَقَالَ لَنَا فِي آخَرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: «أُوصِيكُمْ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا أَنْ تَقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ؛ وَلَوْ كَانَ لَكُمْ فِي الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا رَأَيْتُمْ أَثَرَةً، وَلَا وَصَّى بِكُمْ». فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ عِلْمِهِ، وَوَعَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ تَذَّكَّرُوا الْحَقَّ؛ فَانْقَادُوا لَهُ، وَالْتَزَمُوا حُكْمَهُ؛ فَبَادَرَ عُمَرُ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؛ اُمْدُدْ يَدَك أُبَايِعْك. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَا سَمِعْت مِنْك تَهَّةً فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَهَا، أَتُبَايِعُنِي وَأَبُو بَكْرٍ فِيكُمْ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اُمْدُدْ يَدَك أُبَايِعْك يَا أَبَا بَكْرٍ. فَمَدَّ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ وَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، وَصَارَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ، وَدَخَلَ الدِّينُ مِنْ بَابِهِ.


الصفحة التالية
Icon