[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى إلَى الْكَعْبَيْنِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦]: اُخْتُلِفَ فِيهِمَا؛ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجَمَاعَةُ: إنَّهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ فِي الْمِفْصَلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالرِّجْلِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ فِي وَجْهِ الْقَدَمِ؛ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْكَعْبُ هُوَ الَّذِي بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ. وَالْعَقِبُ هُوَ مَعْقِدُ الشِّرَاكِ، وَتَقْتَضِي لُغَةُ الْعَرَبِ أَنَّ كُلَّ نَاتِئٍ كَعْبٌ، يُقَالُ: كَعْبُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إذَا بَرَزَ عَنْ صَدْرِهَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ الشِّرَاكُ، لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ مَشْهُورًا فِي اللُّغَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَتَحَصَّلُ بِهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَايَةٍ لَهُمَا وَلَا بِبَعْضِ مَعْلُومٍ مِنْهُمَا، وَالْإِحَالَةُ عَلَى الْمَجْهُولِ فِي التَّكْلِيفِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْبَيَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَلَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ؛ فَبَطَلَ؛ بَلْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِضِدِّهَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّارِ».
وَهَذَا يُبْطِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْقِدُ الشِّرَاكِ حِذَاءَهُ لَا فَوْقَهُ، يَعْضُدُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦] وَلَوْ قَالَ: أَرَادَ مَعْقِدَ الشِّرَاكِ لَقَالَ إلَى الْكِعَابِ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤] لَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ قَلْبٌ وَاحِدٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ اثْنَيْنِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْقَوْلُ فِي دُخُولِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْكَعْبَيْنِ كَالْقَوْلِ فِي دُخُولِ الْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَ فِي السَّاقِ، كَمَا أَنَّ الْمِرْفَقَ فِي الْعَضُدِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّك إذَا غَسَلْت السَّاعِدَ إلَى الْمِرْفَقِ فَالْمِرْفَقُ آخِرُ الْعَضُدِ، وَإِذَا غَسَلْت الْقَدَمَ إلَى الْكَعْبَيْنِ فَالْكَعْبَانِ آخِرَ السَّاقَيْنِ، فَرَكِّبْهُ عَلَيْهِ وَافْهَمْهُ مِنْهُ.


الصفحة التالية
Icon