اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي مِنْ النَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ وَالنُّصْرَةِ، وَسَقَطَ الْمِيرَاثُ خَاصَّةً بِآيَةِ الْفَرَائِضِ وَآيَةِ الْأَنْفَالِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ»].
وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَقْدُ الْبَيْعِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، فَإِنَّمَا أَشَارَ إلَى عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ وَأَسْقَطَ غَيْرَهَا وَعُقُودَ اللَّهِ وَالنُّذُورَ؛ وَهَذَا تَقْصِيرٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْكِسَائِيّ: الْفَرَائِضُ، فَهُوَ أَخُو قَوْلِ الزَّجَّاجِ، وَلَكِنَّ قَوْلَ الزَّجَّاجِ أَوْعَبُ؛ إذْ دَخَلَ فِيهِ الْفَرْضُ الْمُبْتَدَأُ وَالْفَرْضُ الْمُلْتَزَمُ وَالنَّدْبُ، وَلَمْ يَتَضَمَّنْ قَوْلُ الْكِسَائِيّ ذَلِكَ كُلَّهُ.
[مَسْأَلَة الْعَقْدِ مَعَ اللَّهِ والْعَقْد مَعَ الْآدَمِيِّ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: إذَا ثَبَتَ هَذَا فَرَبْطُ الْعَقْدِ تَارَةً يَكُونُ مَعَ اللَّهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مَعَ الْآدَمِيِّ، وَتَارَةً يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَتَارَةً بِالْفِعْلِ؛ فَمَنْ قَالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ " فَقَدْ عَقَدَهُ بِقَوْلِهِ مَعَ رَبِّهِ؛ وَمَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَنَوَى وَكَبَّرَ فَقَدْ عَقَدَهَا لِرَبِّهِ بِالْفِعْلِ، فَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ، وَيَلْزَمُ هَذَا تَمَامُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ عَقَدَهَا مَعَ رَبِّهِ، وَالْتَزَمَ.
وَالْعَقْدُ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْقَوْلِ. وَكَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: ٧]. كَذَلِكَ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣].
وَمَا قَالَ الْقَائِلُ: عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ إلَّا لِيَفْعَلَ، فَإِذَا فَعَلَ كَانَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ عَقْدٌ وَهَذَا نَقْدٌ؛ وَقَدْ مَهَّدْنَا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ تَمْهِيدًا بَلِيغًا، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ.


الصفحة التالية
Icon