وَجَمَالُ الْأَنْعَامِ وَالدَّوَابِّ مِنْ جَمَالِ الْخِلْقَةِ مَحْسُوبٌ، وَهُوَ مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ، مُوَافِقٌ لِلْبَصَائِرِ، وَمِنْ جَمَالِهَا كَثْرَتُهَا.
فَإِذَا وَرَدَتْ الْإِبِلُ عَلَى الذُّرَى سَامِيَةَ الذُّرَى هَجْمَاتٍ هِجَانًا تَوَافَرَ حُسْنُهَا، وَعَظُمَ شَأْنُهَا، وَتَعَلَّقَتْ الْقُلُوبُ بِهَا.
إذَا رَأَيْت الْبَقَرَ نِعَاجًا تَرِدُ أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا، تَقَرُّ بِقَرِيرِهَا، مَعَهَا صُلُّغُهَا وَأَتَابِعُهَا، فَقَدْ انْتَظَمَ جَمَالُهَا وَانْتِفَاعُهَا.
وَإِذَا رَأَيْت الْغَنَمَ فِيهَا السَّالِغُ وَالسَّخْلَةُ، وَالْغَرِيضُ وَالسَّدِيسُ صُوفُهَا أَهْدَلُ، وَضَرْعُهَا مُنْجَدِلٌ، وَظَهْرُهَا مُنْسَجِفٌ، إذَا صَعِدَتْ ثَنِيَّةً مَرَعَتْ، وَإِذَا أَسْهَلَتْ عَنْ رَبْوَةٍ طَمَرَتْ، تَقُومُ بِالْكِسَاءِ، وَتَقَرُّ عَلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، وَتَمْلَأُ الْحِوَاءَ سَمْنًا وَأَقِطًا، بَلْهَ الْبَيْتِ، حَتَّى يَسْمَعَ الْحَدِيثَ عَنْهَا كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَدْ قَطَعْت عَنْك لَعَلَّ وَلَيْتَ.
وَإِذَا رَأَيْت الْخَيْلَ نَزَائِعَ يَعَابِيبَ، كَأَنَّهَا فِي الْبَيْدَاءِ أَهَاضِيبَ، وَفِي الْهَيْجَاءِ يَعَاسِيبَ، رُءُوسُهَا عَوَالٍ، وَأَثْمَانُهَا غَوَالٍ، لَيِّنَةَ الشَّكِيرِ، وَشَدِيدَةَ الشَّخِيرِ، تَصُومُ وَإِنْ رَعَتْ، وَتَفِيضُ إذَا سَعَتْ، فَقَدْ مَتَّعَتْ الْأَحْوَالَ وَأَمْتَعَتْ. وَإِذَا رَأَيْت الْبِغَالَ كَأَنَّهَا الْأَفْدَانُ بِأَكْفَالٍ كَالصَّوَى، وَأَعْنَاقٍ كَأَعْنَاقِ الظِّبَا، وَمَشْيٍ كَمَشْيِ الْقَطَا أَوْ الدَّبَى فَقَدْ بَلَغْت فِيهَا الْمُنَى.
وَلَيْسَ فِي الْحَمِيرِ زِينَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَنْ الْخِدْمَةِ مَصُونَةً، وَلَكِنَّ الْمَنْفَعَةَ بِهَا مَضْمُونَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذَا الْجَمَالُ وَالتَّزَيُّنُ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِعِبَادِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ خَرَّجَهُ الْبَرْقَانِيُّ وَغَيْرُهُ: «الْإِبِلُ عِزٌّ لِأَهْلِهَا، وَالْغَنَمُ بَرَكَةٌ، وَالْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَإِنَّمَا جَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِزَّ فِي الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ


الصفحة التالية
Icon