[الْآيَة الثَّالِثَةُ عَشْرَة قَوْله تَعَالَى وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا]
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: ٨١]. فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: عَدَّدَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ نِعَمِهِ مَا شَرَحَ فِيهَا، فَمِنْهَا الظِّلَالُ تَقِي مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ الَّذِي لَا تَحْتَمِلُهُ الْأَبْدَانُ، وَلَا يَبْقَى مَعَهُ، وَلَا دُونَهُ الْإِنْسَانُ، مِنْ شَجَرٍ وَحَجَرٍ وَغَمَامٍ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْجِبَالُ، وَهِيَ:
[مَسْأَلَة كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَبَّدُ بِغَارِ حِرَاءٍ وَيَمْكُثُ فِيهِ اللَّيَالِيَ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: خَلَقَهَا اللَّهُ عُدَّةً لِلْخَلْقِ، يَأْوُونَ إلَيْهَا، وَيَتَحَصَّنُونَ بِهَا، وَيَعْتَزِلُونَ الْخَلْقَ فِيهَا، فَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَبَّدُ بِغَارِ حِرَاءٍ، وَيَمْكُثُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ خَرَجَ مُهَاجِرًا إلَى رَبِّهِ، هَارِبًا مِنْ قَوْمِهِ، فَارًّا بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَاسْتَحْصَنَ بِغَارِ ثَوْرٍ، وَأَقَامَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ مَعَ الصِّدِّيقِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ أَمْضَى هِجْرَتَهُ، وَأَنْفَذَ عَزْمَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى دَارِ هِجْرَتِهِ».
وَقَدْ قِيلَ: أَرَادَ بِهِ السَّهْلَ وَالْجِبَالَ، وَلَكِنَّهُ حَذَفَ أَحَدَهُمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا | أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي |
أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا مُبْتَغِيهِ | أَمْ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي |
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١]: وَالسِّرْبَالُ: كُلُّ مَا سَتَرَ بِاللِّبَاسِ مِنْ ثَوْبٍ مِنْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ