أَلْزَمَنَا، وَعَرَفْنَا مِقْدَارَ فَضْلِهِ، فَقَالَ لَنَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَم، وفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ إلَى حِينِ تَطْلُعُ الشَّمْسُ، شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ، إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ» فِي حَدِيثٍ طَوِيل هَذَا أَكْثَرُهُ.
وَجَمَعَ لَنَا فِيهِ الْوَجْهَيْنِ: فَضْلَ الْعَمَلِ فِي الْآخِرَةِ، وَجَوَازَ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا، وَخَشِيَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا جَرَى لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنْ التَّنَطُّعِ فِي يَوْمِهِمْ الَّذِي اخْتَارُوهُ، فَمَنَعْنَا مِنْ صِيَامِهِ، فَقَالَ: «لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ، وَلَا لَيْلَتَهَا بِقِيَامٍ».
وَعَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَرَأَى مَالِكٍ أَنَّ صَوْمَهُ جَائِزٌ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ. وَقَالَ: إنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي زَمَانِهِ كَانَ يَصُومُهُ، وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ.
وَنَهْيُ النَّبِيِّ عَنْ تَخْصِيصِهِ أَشْبَهُ بِحَالِ الْعَالِمِ الْيَوْمَ فَإِنَّهُمْ يَخْتَرِعُونَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يُلْحِقُهُمْ بِمَنْ تَقَدَّمَ، وَيَسْلُكُونَ بِهِ سُنَّتَهُمْ؛ وَذَلِكَ مَذْمُومٌ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ الصِّيَامَ، وَشَرَعَ فِيهِ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ؛ فَوَجَبَ الِاقْتِفَاءُ لِسُنَّتِهِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا أَبَانَ مِنْ شِرْعَتِهِ، وَالْفِرَارُ عَنْ الرَّهْبَانِيَّةِ الْمُبْتَدَعَةِ، والْخَشْيَةُ مِنْ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ.