[مَسْأَلَة أَوَّلُ مَنْ ضَيَّفَ الضَّيْفَ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩].قَدَّمَهُ إلَيْهِمْ نُزُلًا وَضِيَافَةً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ضَيَّفَ الضَّيْفَ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ. وَفِي الإسرائليات أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ وَحْدَهُ، فَإِذَا حَضَرَ طَعَامُهُ أَرْسَلَ يَطْلُبُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ؛ فَلَقِيَ يَوْمًا رَجُلًا فَلَمَّا جَلَسَ مَعَهُ عَلَى الطَّعَامِ قَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ: سَمِّ اللَّهَ. قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَا أَدْرِي مَا اللَّهُ؛ قَالَ لَهُ: فَاخْرُجْ عَنْ طَعَامِي. فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ نَزَلَ إلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: يَقُولُ [اللَّهُ]: إنَّهُ يَرْزُقُهُ عَلَى كُفْرِهِ مَدَى عُمُرِهِ، وَأَنْتَ بَخِلْت عَلَيْهِ بِلُقْمَةٍ، فَخَرَجَ إبْرَاهِيمُ مُسْرِعًا فَرَدَّهُ، فَقَالَ: [ارْجِعْ قَالَ]: لَا أَرْجِعُ؛ تُخْرِجُنِي ثُمَّ تَرُدُّنِي لِغَيْرِ مَعْنًى، فَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ، فَقَالَ: هَذَا رَبٌّ كَرِيمٌ. آمَنْت. وَدَخَلَ وَسَمَّى اللَّهَ، وَأَكَلَ مُؤْمِنًا.
[مَسْأَلَة الضِّيَافَةَ وَاجِبَةٌ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: ذَهَبَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ وَاجِبَةٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ صَدَقَةٌ». وَفِي رِوَايَةٍ [أَنَّهُ قَالَ]: «ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ». وَهَذَا حَدِيثٌ [صَحِيحٌ] خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَفْظُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ.
وَذَهَبَ عُلَمَاءُ الْفِقْهِ إلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ لَا تَجِبُ؛ إنَّمَا هِيَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الْخَلْقِ، وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»؛ وَالْكَرَامَةُ مِنْ خَصَائِصِ النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ.