يَا جِبْرِيلُ حَتَّى سُؤْت ظَنًّا» فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤]. ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ. فَنَزَلَ فِي أَمْرِ الْفِتْيَةِ: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾ [الكهف: ٩] إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
فَقَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْ وَصْفِهِمْ، وَتَبَيَّنَ لَهُ خَبَرُهُمْ: ﴿فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢]. يَقُولُ لَا مُنَازَعَةَ، وَلَا تَبْلُغْ بِهِمْ فِيهَا جَهْدَ الْخُصُومَةِ، وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا، لَا الْيَهُودُ الَّذِينَ أَمَرُوهُمْ أَنْ يَسْأَلُوك، وَلَا الَّذِينَ سَأَلُوا مِنْ قُرَيْشٍ، يَقُولُ: قَدْ قَصَصْنَا عَلَيْك خَبَرَهُمْ عَلَى حَقِّهِ وَصِدْقِهِ. وَنَزَلَ فِي قَوْلِهِ: أُخْبِرُكُمْ بِهِ غَدًا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ [الكهف: ٢٣] ﴿إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٢٤] فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ أَيُخْبِرُهُمْ عَمَّا يَسْأَلُونَك عَنْهُ؟ أَمْ يَتْرُكُهُمْ؟ ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٤] الْآيَةَ. وَجَاءَهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥] الْآيَةَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَادَاهُمْ الرُّوحُ جِبْرِيلُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ أَحْبَارُ يَهُودَ: بَلَغَنَا يَا مُحَمَّدُ أَنَّ فِيمَا تَلَوْت حِينَ سَأَلَك قَوْمُك عَنْ الرُّوحِ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إلَّا قَلِيلًا، فَإِيَّانَا أَرَدْت بِهَا أَمْ قَوْمَك؟ فَقَالَ: كُلًّا أُرِيدُكُمْ بِهَا». قَالُوا: أَوَلَيْسَ فِيمَا تَتْلُو: إنَّا أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: «بَلَى، وَالتَّوْرَاةُ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَهِيَ عِنْدَكُمْ كَثِيرٌ مُجْزِئٌ» فَيَذْكُرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ نَزَلْنَ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ﴾ [لقمان: ٢٧] إلَى آخِرِ الْآيَاتِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ. وَهُوَ أَصَحُّ.