ثَبَتَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَاعٍ يَعْضِدُ شَجَرَةً فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: هُشُّوا وَارْعَوْا»، وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاقْتِصَادِ فِي الِاقْتِيَاتِ، فَإِنَّهُ إذَا عَضَّدَ الشَّجَرَةَ الْيَوْمَ لَمْ يَجِدْ فِيهَا غَدًا شَيْئًا وَلَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَخْلُفُهُ، فَإِذَا هَشَّ وَرَعَى أَخَذَ وَأَبْقَى، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ، فَلْيَأْخُذْ وَلْيَدْعُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ كَثِيرًا فَلْيَأْخُذْهُ كَيْفَ شَاءَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ. تَعَرَّضَ قَوْمٌ لِتَعْدِيدِ مَنَافِعِ الْعَصَا، كَأَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ بِذَلِكَ قَوْلَ مُوسَى ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨]، وَهَذَا مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ الْعَصَا فِي حَاجَةٍ عَرَضَتْ؛ أَمَّا إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إجْمَاعًا وَهُوَ الْخُطْبَةُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِاخْتِلَافٍ وَهُوَ التَّوَكُّؤُ عَلَيْهَا فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ هُنَا وَسِوَاهُ.
[الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى]
} [طه: ٤٣] ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى - قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾ [طه: ٤٤ - ٤٥].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ رَسُولَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذِكْرَ قَاضِيَيْنِ وَأَمِيرَيْنِ، وَالرِّسَالَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَبْلِيغٌ عَنْ اللَّهِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ لِنَبِيٍّ أَنْ يُشَرِّعَ إلَّا بِوَحْيٍ جَازَ أَنْ يَحْكُمَا مَعًا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ النَّبِيُّ لَمْ يَحْكُمْ إلَّا أَحَدُهُمَا، وَهَذَا يَتِمُّ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon