الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رُوِيَ «أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَامَ سِتٍّ، فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ، وَمَنَعُوهُ، فَقَاضَاهُمْ عَلَى الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي مَكَانِهِ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ».
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَسْجِدَ نَفْسَهُ، دُونَ الْحَرَمِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَرَمَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ عَنْهُ، فَنَزَلَ خَارِجًا مِنْهُ فِي الْحِلِّ، وَعَيَّرَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الحج: ٢٥]، فَصِفَةُ الْحَرَامِ تَقْتَضِي الْحَرَمَ كُلَّهُ، ؛ لِأَنَّهُ بِصِفَتِهِ فِي التَّحْرِيمِ، وَآخِذٌ بِجَزَاءٍ عَظِيمٍ مِنْ التَّكْرِمَةِ وَالتَّعْظِيمِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧]، وَكَانَ الْحَرَمُ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُ، وَحَرِيمُ الدَّارِ مِنْ الدَّارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ [الحج: ٢٥]
يُرِيدُ خَلَقْنَاهُ لَهُمْ، وَسَمَّيْنَاهُ، وَوَضَعْنَاهُ شَرْعًا وَدِينًا، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَعْلِ وَتَصَرُّفَاتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ﴾ [الحج: ٢٥].
يَعْنِي الْمُقِيمَ، وَكَذَلِكَ اسْمُهُ فِي اللُّغَة. وَالْبَادِي: يُرِيدُ الطَّارِئَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥]