وَإِذَا انْتَهَيْتُمْ إلَى هَذَا الْمَقَامِ ظَهَرَ لَكُمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ أَشَارَ إلَيْهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، وَمَا ذَكَرَهُ قُطْرُبٌ هُوَ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي التَّفَثِ، وَهَذِهِ صُورَةُ قَضَاءِ التَّفَثِ لُغَةً.
وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ فَإِذَا نَحَرَ الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَأَزَالَ وَسَخَهُ، وَتَطَهَّرَ وَتَنَقَّى، وَلَبِسَ الثِّيَابَ، فَيَقْضِي تَفَثَهُ وَأَمَّا وَفَاءُ نَذْرِهِ، وَهِيَ:
[مَسْأَلَة النَّذْر]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَإِنَّ النَّذْرَ كُلُّ مَا لَزِمَ الْإِنْسَانَ أَوْ الْتَزَمَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ بُكَيْر: إنَّهُ رَمْيُ الْجِمَارِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ هُوَ الْعَقْلُ، فَهُوَ رَمْيُ الْجِمَارِ، لِأَجَلِ النَّذْرِ يَعْنِي بِالْعَقْلِ الدِّيَةَ.
وَالْأَوَّلُ أَقْوَى: لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَبِنَحْرِ الْهَدْيِ، وَيَجْتَنِبُ الْوَطْءَ وَالطِّيبَ، حَتَّى تَقَعَ الزِّيَارَةُ.
[مَسْأَلَة طَوَافُ الزِّيَارَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩]
هَذَا هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَهُوَ رُكْنُ الْحَجِّ بِاتِّفَاقٍ، وَبِهِ يَتِمُّ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَعْمَالِهِ وَنِهَايَةُ أَرْكَانِهِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩]: وَفِي تَسْمِيَتِهِ بِالْعَتِيقِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ عَتُقَ أَيْ قَدُمَ؛ إذْ هُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ عَتَقَ، أَيْ خَلُصَ مِنْ الْجَبَابِرَةِ عَنْ الْهَوَانِ إلَى انْقِضَاءِ الزَّمَانِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.