وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْعَصْرُ وَالصُّبْحُ فَقَدْ أَسْقَطَ الظُّهْرَ.
وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّهَارِ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَبَاقِيهَا فِي اللَّيْلِ، فَزُلَفُ اللَّيْلِ ثَلَاثٌ: فِي ابْتِدَائِهِ، وَهِيَ الْمَغْرِبُ، وَفِي اعْتِدَالِ فَحْمَتِهِ، وَهِيَ الْعِشَاءُ، وَعِنْدَ انْتِهَائِهِ وَهِيَ الصُّبْحُ.
وَأَمَّا طَرَفَا النَّهَارِ فَهُمَا الدُّلُوكُ وَالزَّوَالُ وَهُوَ طَرَفُهُ الْأَوَّلُ، وَالدُّلُوكُ الْغُرُوبُ، وَهُوَ طَرَفُهُ الثَّانِي. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ».
وَالْعَجَبُ مِنْ الطَّبَرِيِّ الَّذِي يَقُولُ: إنَّ طَرَفَيْ النَّهَارِ الصُّبْحُ وَالْمَغْرِبُ وَهُمَا طَرَفَا اللَّيْلِ، فَقَلَبَ الْقَوْسَ رَكْوَةً، وَحَادَ مِنْ الْبُرْجَاسِ غَلْوَةً.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ الصُّبْحُ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّرَفَ الْآخَرَ الْمَغْرِبُ، وَلَمْ يُجْمِعْ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ، وَإِنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ أَنْجَبُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ». وَقَدْ قَرَنَهَا [بِهَا] فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ.
[مَسْأَلَة اسْتِغْرَاقُ الْأَوْقَاتِ بِالْعِبَادَاتِ نَفْلًا وَفَرْضًا]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
قَالَ شُيُوخُ الصُّوفِيَّةِ: إنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ اسْتِغْرَاقُ الْأَوْقَاتِ بِالْعِبَادَاتِ نَفْلًا وَفَرْضًا. وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ لَا وَاجِبًا فَإِنَّمَا خَمْسُ صَلَوَاتٍ، وَلَا نَفْلًا فَإِنَّ الْأَوْرَادَ مَعْلُومَةٌ، وَأَوْقَاتُ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا مَحْصُورَةٌ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ