وَعَوَّلَ مَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ تَعْيِيرٌ تَامٌّ بِوَطْءٍ كَامِلٍ، فَكَانَ قَذْفًا. وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ مُشْكِلَةٌ، لَكِنْ مَالِكٌ غَلَّبَ حِمَايَةَ عِرْضِ الْمَقْذُوفِ، وَغَيْرُهُ رَاعَى حِمَايَةَ طُهْرِ الْقَاذِفِ. وَحِمَايَةُ عِرْضِ الْمَقْذُوفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَاذِفَ كَشَفَ سِتْرَهُ بِطَرْفِ لِسَانِهِ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ.
[مَسْأَلَة كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَيَّ الزِّنَا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ٤]
كَثَّرَ اللَّهُ عَدَدَ الشُّهُودِ فِي الزِّنَا عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ رَغْبَةً فِي السَّتْرِ عَلَى الْخَلْقِ، وَحَقَّقَ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ حَتَّى رَبَطَ أَنْ يَقُولَ: رَأَيْت ذَلِكَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا؛ أَيْ الْمِرْوَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ قَبْلُ.
فَلَوْ قَالُوا: رَأَيْنَاهُ يَزْنِي بِهَا الزِّنَا الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَكُونُونَ قَذَفَةً.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانُوا فُقَهَاءَ وَالْقَاضِي فَقِيهًا كَانَتْ شَهَادَةً.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الشُّهُودِ تَعَبُّدٌ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ تَعَبُّدٌ، وَصِفَتُهَا تَعَبُّدٌ، فَلَا يُبَدَّلَ شَيْءٌ مِنْهَا بِغَيْرِهِ، حَتَّى قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَهِيَ:
[مَسْأَلَة شَرْطِ أَدَاءِ الشُّهُودِ لِلشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:
إنَّ مِنْ شَرْطِ أَدَاءِ الشُّهُودِ لِلشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ افْتَرَقُوا لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مُجْتَمَعِينَ وَمُفْتَرِقِينَ، فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ تَعَبُّدٌ، وَرَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَاجْتِمَاعِهَا؛ وَهُوَ أَقْوَى.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى الْمُحْصَنَاتِ]
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ: ﴿الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور: ٤]
قِيلَ: هُوَ وَصْفٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَحِقَ بِهِنَّ الرِّجَالُ، وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ إلْحَاقِ الرِّجَالِ بِهِنَّ؛ فَقِيلَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِنَّ؛ كَمَا أُلْحِقَ ذُكُورُ الْعَبِيدِ بِإِمَائِهِمْ فِي تَشْطِيرِ الْحَدِّ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ شَيْخِ السُّنَّةِ، وَمَذْهَبُ لِسَانِ الْأُمَّةِ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي مَعْنَى الشَّيْءِ قَبْلَ النَّظَرِ إلَى عِلَّتِهِ، وَجُعِلَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إلْحَاقُ الْأَمَةِ بِالْعَبْدِ فِي قَوْلِهِ: " مَنْ


الصفحة التالية
Icon