يَكُونَ تَصَنُّعًا، وَمِنْ الْخَلْقِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْدِرُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الدَّمْعَ الْمَصْنُوعَ لَا يَخْفَى، كَمَا قَالَ حَكِيمٌ:

إذَا اشْتَبَكَتْ دُمُوعٌ فِي خُدُودٍ تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَى
وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ مُشْتَبِهٌ، وَأَنَّ مِنْ الْخَلْقِ فِي الْأَكْثَرِ مَنْ يَقْدِرُ مِنْ التَّطَبُّعِ عَلَى مَا يُشْبِهُ الطَّبْعَ.
[مَسْأَلَة هَلْ الْمُسَابَقَةَ شِرْعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ [يوسف: ١٧]
اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ الْمُسَابَقَةَ شِرْعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَخَصْلَةٌ بَدِيعَةٌ، وَعَوْنٌ عَلَى الْحَرْبِ، وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ وَبِخَيْلِهِ؛ فَرُوِيَ «أَنَّهُ سَابَقَ عَائِشَةَ فَسَبَقَهَا، فَلَمَّا كَبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَهَا فَسَبَقَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: هَذِهِ بِتِلْكَ».
وَرُوِيَ «أَنَّهُ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنْيَةَ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ الْخَيْلَ الَّتِي لَا تُضْمَرُ مِنْ الثَّنْيَةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا».
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْعَضْبَاءِ وَغَيْرِهَا، فَسَبَقَتْ الْعَضْبَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَلَّا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ».
وَفِي ذَلِكَ فِي الْفَوَائِدِ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَالدَّوَابِّ، وَتَدْرِيبُ الْأَعْضَاءِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَلَا مُسَابَقَةَ إلَّا بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ خَاصَّةً


الصفحة التالية
Icon