فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عُمَرَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ إنَّ الشُّعَرَاءَ بِبَابِك، وَأَقْوَالُهُمْ بَاقِيَةٌ، وَسِهَامُهُمْ مَسْمُومَةٌ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا لِي وَلِلشُّعَرَاءِ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مُدِحَ وَأَعْطَى، وَفِيهِ أُسْوَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. قَالَ: وَمَنْ مَدَحَهُ؟ قَالَ: عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ فَكَسَاهُ حُلَّةً قَطَعَ بِهَا لِسَانَهُ. قَالَ: نَعَمْ، فَأَنْشَدَهُ:

رَأَيْتُك يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا نَشَرْت كِتَابًا جَاءَ بِالْحَقِّ مُعْلِمَا
سَنَنْت لَنَا فِيهِ الْهُدَى بَعْدَ جَوْرِنَا عَنْ الْحَقِّ لَمَّا أَصْبَحَ الْحَقُّ مُظْلِمَا
فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي النَّبِيَّ مُحَمَّدًا وَكُلُّ امْرِئٍ يُجْزَى بِمَا قَدْ تَكَلَّمَا
تَعَالَى عُلُوًّا فَوْقَ عَرْشِ إلَهِنَا وَكَانَ مَكَانُ اللَّهِ أَعْلَى وَأَعْظَمَا
قَالَ: صَدَقْت، فَمَنْ بِالْبَابِ مِنْهُمْ؟ قَالَ: ابْنُ عَمِّك عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ. قَالَ: لَا قَرَّبَ اللَّهُ قَرَابَتَهُ، وَلَا حَيَّا وَجْهَهُ، أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِلُ:
أَلَا لَيْتَ أَنِّي يَوْمَ بَانُوا بِمَيْتَتِي شَمَمْت الَّذِي مَا بَيْنَ عَيْنَيْك وَالْفَمِ
وَلَيْتَ طَهُورِي كَانَ رِيقَك كُلَّهُ وَلَيْتَ حَنُوطِي مِنْ مُشَاشِك وَالدَّمِ
وَيَا لَيْتَ سَلْمَى فِي الْقُبُورِ ضَجِيعَتِي هُنَالِكَ أَوْ فِي جَنَّةٍ أَوْ جَهَنَّمِ
فَلَيْتَ عَدُوَّ اللَّهِ تَمَنَّى لِقَاءَهَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا؛ وَاَللَّهِ لَا دَخَلَ عَلَيَّ أَبَدًا. فَمَنْ بِالْبَابِ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْت؟ قَالَ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْعُذْرِيُّ. قَالَ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ:
أَلَا لَيْتَنَا نَحْيَا جَمِيعًا وَإِنْ نَمُتْ يُوَافِي لَدَى الْمَوْتَى ضَرِيحِي ضَرِيحُهَا
فَمَا أَنَا فِي طُولِ الْحَيَاةِ بِرَاغِبٍ إذَا قِيلَ قَدْ سَوِّي عَلَيْهَا صَفِيحُهَا
أَظَلُّ نَهَارِي لَا أَرَاهَا وَيَلْتَقِي مَعَ اللَّيْلِ رُوحِي فِي الْمَنَامِ وَرُوحُهَا
اُعْزُبْ بِهِ، فَلَا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَبَدًا. فَمَنْ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْت؟ قَالَ: كُثَيِّرُ عَزَّةَ. قَالَ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ:


الصفحة التالية
Icon