لَوْلَا مُرَاقَبَةُ الْعُيُونِ أَرَيْتنَا | مُقَلَ الْمَهَا وَسَوَالِفَ الْآرَامِ |
ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى | وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ |
طَرَقَتْك صَائِدَةُ الْقُلُوبِ وَلَيْسَ ذَا | حِينَ الزِّيَارَةِ فَارْجِعِي بِسَلَامِ |
فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَهَذَا، فَأْذَنْ لَهُ فَخَرَجْت إلَيْهِ، فَقُلْت: اُدْخُلْ أَبَا حَزْرَةَ، فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ:
إنَّ الَّذِي بَعَثَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا | جَعَلَ الْخِلَافَةَ لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ |
وَسِعَ الْبَرِيَّةَ عَدْلُهُ وَوَفَاؤُهُ | حَتَّى ارْعَوى وَأَقَامَ مَيْلَ الْمَائِلِ |
إنِّي لَأَرْجُو مِنْك خَيْرًا عَاجِلًا | وَالنَّفْسُ مُولَعَةٌ بِحُبِّ الْعَاجِلِ |
فَلَمَّا مَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا جَرِيرُ، وَلَا تَقُلْ إلَّا حَقًّا، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
كَمْ بِالْيَمَامَةِ مِنْ شَعْثَاءَ أَرْمَلَةٍ | وَمِنْ يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ وَالنَّظَرِ |
مِمَّنْ يَعُدُّك تَكْفِي فَقْدَ وَالِدِهِ | كَالْفَرْخِ فِي الْعُشِّ لَمْ يَدْرُجْ وَلَمْ يَطِرْ |
إنَّا لَنَرْجُو إذَا مَا الْغَيْثُ أَخْلَفَنَا | مِنْ الْخَلِيفَةِ مَا نَرْجُو مِنْ الْمَطَرِ |
أَتَى الْخِلَافَةَ إذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا | كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ |
النَّطْرُونِيُّ الْأَرَامِلُ قَدْ قَضَّيْت حَاجَتَهَا | فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ |
فَقَالَ: يَا جَرِيرُ لَقَدْ وُلِّيت هَذَا الْأَمْرَ، وَمَا أَمْلِكُ إلَّا ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَمِائَةٌ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَمِائَةٌ أَخَذَتْهَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ، يَا غُلَامُ، أَعْطِهِ الْمِائَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهَا لَأَحَبُّ مَالٍ كَسَبْتُهُ إلَيَّ. ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لَهُ الشُّعَرَاءُ: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: مَا يَسُوءُكُمْ، خَرَجْت مِنْ عِنْدِ أَمِيرٍ يُعْطِي الْفُقَرَاءَ، وَيَمْنَعُ الشُّعَرَاءَ، وَإِنِّي عَنْهُ لَرَاضٍ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
رَأَيْت رُقَى الشَّيْطَانِ لَا تَسْتَفِزُّهُ | وَقَدْ كَانَ شَيْطَانِي مِنْ الْجِنِّ رَاقِيَا |
وَلَمَّا وَلِيَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَفَدَ إلَيْهِ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، ثُمَّ أَنْشَدَهُ: