وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنَّ الْعَرَبَ تَأْنَفُ مِنْ الْعَارِ وَشُهْرَتِهِ أَنَفًا لَا تَأْنَفُهُ مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي تَمْضِي فِي الْأَحْكَامِ، فَأَرَى أَنْ تُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ أَبُو الْحَسَنِ. فَكَتَبَ إلَى خَالِدٍ أَنْ أَحْرِقْهُ بِالنَّارِ، فَفَعَلَ. فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا أَرَى خَالِدًا أَحْرَقَهُ إلَّا بَعْدَ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابْنُ وَهْبٍ، كَانَ عَلِيٌّ يَرَى الْحَرْقَ بِالنَّارِ عُقُوبَةً، وَلِذَلِكَ كَانَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارٍ الْبَرْقَانِيُّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ قَالَ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، وَأَيُّوبَ، وَعَمَّارًا الرَّهِينِيُّ، اجْتَمَعُوا فَتَنَاكَرُوا الَّذِينَ حَرَقَهُمْ عَلِيٌّ، فَحَدَّثَ أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ قَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا مَا أَحْرَقْتُهُمْ؟ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ»، وَلَقَتَلْتُهُمْ "؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». فَقَالَ عَمَّارٌ: لَمْ يَكُنْ حَرَقَهُمْ، وَلَكِنَّهُ حَفَرَ لَهُمْ حَفَائِرَ، وَخَرَقَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، ثُمَّ دَخَنَ عَلَيْهِمْ حَتَّى مَاتُوا. فَقَالَ عَمَّارٌ: قَالَ الشَّاعِرُ:
لِتَرْمِ بِي الْمَنَايَا حَيْثُ شَاءَتْ | إذَا لَمْ تَرْمِ بِي فِي الْحُفْرَتَيْنِ |
إذَا مَا أَجَّجُوا حَطَبًا وَنَارًا | هُنَاكَ الْمَوْتُ نَقْدًا غَيْرَ دَيْنِ |