الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا [قَوْلُهُ ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦]]: رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ غَزْوَةَ تَبُوكَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ، فَقَالَ قَوْمٌ: نَسْتَأْذِنُ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦]».
وَفِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: وَهُوَ أَبُوهُمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ. وَالْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَوْضُوعٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رَوَى الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦] فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي، فَأَنَا مَوْلَاهُ».
فَانْقَلَبَتْ الْآنَ الْحَالُ بِالذُّنُوبِ، فَإِنْ تَرَكُوا مَالًا ضُويِقَ الْعَصَبَةُ فِيهِ، وَإِنْ تَرَكُوا ضِيَاعًا أَسْلَمُوا إلَيْهِ، فَهَذَا تَفْسِيرُ الْوِلَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِتَفْسِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْيِينِهِ، وَلَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ.
[مَسْأَلَة حَرَّمَ اللَّه أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ بَعْدِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦] وَلَسْنَ لَهُمْ بِأُمَّهَاتٍ، وَلَكِنْ أُنْزِلْنَ مَنْزِلَتَهُنَّ فِي الْحُرْمَةِ، كَمَا يُقَالُ: زَيْدُ الشَّمْسِ، أَيْ أُنْزِلَ فِي حُسْنِهِ مَنْزِلَةَ الشَّمْسِ، وَحَاتِمُ الْبَحْرِ أَيْ أُنْزِلَ فِي عُمُومِ جُودِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَحْرِ؛ كُلُّ ذَلِكَ تَكْرِمَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِفْظًا لِقَلْبِهِ مِنْ التَّأَذِّي بِالْغَيْرَةِ.
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: «تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي». وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٣].