فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنِّي لَسْت أَخَافُ أَنْ يُصَابَ سَعْدٌ الْيَوْمَ إلَّا مِنْ أَطْرَافِهِ، فَأُصِيبَ فِي أَكْحَلِهِ.
قَالَ الْقَاضِي: فَرُوِيَ أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ عَاصِمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرْقَةِ، فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرْقَةِ.
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَك فِي النَّارِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت أَبْقَيْت مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَك وَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت وَضَعْت الْحَرْبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ شَهَادَةً لِي، وَلَا تُمِيتنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ أَبُو أُسَامَةَ يَعْنِي الْجُشَمِيَّ؛ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ:

أَعَكْرِمُ هَلَّا لُمْتنِي إذْ تَقُولُ لِي فِدَاك بِآطَامِ الْمَدِينَةِ خَالِدُ
أَلَسْت الَّذِي أَلْزَمْت سَعْدًا مَنِيَّةً لَهَا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْمَرَافِقِ عَاقِدُ
قَضَى نَحْبَهُ مِنْهَا سَعِيدٌ فَأَعْوَلَتْ عَلَيْهِ مَعَ الشَّمَطِ الْعَذَارَى النَّوَاهِدُ
وَأَنْتَ الَّذِي دَافَعْت عَنْهُ وَقَدْ دَعَا عُبَيْدَةَ جَمْعًا مِنْهُمْ إذْ يُكَايِدُ
عَلَى حِينِ مَا هُوَ جَائِرٌ عَنْ طَرِيقِهِ وَآخَرُ مَدْعُوٌّ عَلَى الْقَصْدِ قَاصِدُ
وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْت رَجُلًا أَجْمَلَ مِنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، حَاشَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُصِيبَ فِي أَكْحَلِهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ حَرْبُ قُرَيْظَةَ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَاقْبِضْنِي إلَيْك، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ فَأَبْقِنِي حَتَّى أُجَاهِدَ مَعَ رَسُولِك أَعْدَاءَهُ.
فَلَمَّا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ تُوُفِّيَ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَقَالُوا: نَرْجُو أَنْ تَكُونَ قَدْ اُسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي كُنْت أُحِبُّ أَنْ يَقْتُلَنِي قَوْمٌ بَعَثْت فِيهِمْ نَبِيَّك فَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ الْحَرْبَ قَدْ بَقِيَتْ بَيْنَنَا


الصفحة التالية
Icon