عَائِشَةَ لَمْ تَسْأَلْهُ شَيْئًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُنَّ حَوْلِي، كَمَا تَرَى، وَقِيَامِ أَبِي بَكْرٍ لِعَائِشَةَ يَجَأُ فِي عُنُقِهَا، وَلَوْلَا سُؤَالُهَا مَا أَدَّبَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: (قُلْ) قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي سَرَدْنَاهُ آنِفًا، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ أَمَّا أَنَّ قَوْلَهُ: (قُلْ) يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالْإِبَاحَةَ، فَإِنْ كَانَ الْمُوجِبُ لِنُزُولِ الْآيَةِ تَخْيِيرَ اللَّهِ لَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ، فَأَمَرَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِأَزْوَاجِهِ لِيَكُنَّ مَعَهُ فِي مَنْزِلَتِهِ، وَلِيَتَخَلَّقْنَ بِأَخْلَاقِهِ الشَّرِيفَةِ، وَلِيَصُنَّ خَلَوَاتِهِ الْكَرِيمَةَ مِنْ أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَإِنْ كَانَ لِسُؤَالِهِنَّ الْإِنْفَاقَ فَهُوَ لَفْظُ إبَاحَةٍ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنْ ضَاقَ صَدْرُك بِسُؤَالِهِنَّ لَك مَا لَا تُطِيقُ فَإِنْ شِئْت فَخَيِّرْهُنَّ، وَإِنْ شِئْت فَاصْبِرْ مَعَهُنَّ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إطْنَابٍ.
[مَسْأَلَة الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَزْوَاجِك]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿لأَزْوَاجِكَ﴾ [الأحزاب: ٢٨] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَزْوَاجِ الْمَذْكُورَاتِ؛ فَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: كَانَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ سِوَى الْخَيْبَرِيَّةِ؛ خَمْسٌ مِنْ قُرَيْشٍ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَأَمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ. وَكَانَتْ تَحْتَهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ الْخَيْبَرِيّةُ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيَّةُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَذَهَبَتْ، وَكَانَتْ بَدَوِيَّةً.
قَالَ رَبِيعَةُ: فَكَانَتْ أَلْبَتَّةَ، وَاسْمُهَا عَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيَّةُ؛ اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ، فَذَهَبَتْ، فَابْتَلَاهَا اللَّهُ بِالْجُنُونِ.
وَيُقَالُ: إنَّ أَبَاهَا تَرَكَهَا تَرْعَى غَنَمًا لَهُ، فَصَارَتْ فِي طَلَبِ إحْدَاهُنَّ، فَلَمْ يُعْلَمْ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهَا إلَى الْيَوْمِ. وَقِيلَ: إنَّهَا كِنْدِيَّةٌ. وَقِيلَ: لَمْ يُخَيِّرْهَا، وَإِنَّمَا اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَرَدَّهَا، وَقَالَ: لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمَعَاذٍ.


الصفحة التالية
Icon