وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ عَجِبْت مِنْ يُوسُفَ وَصَبْرِهِ وَكَرَمِهِ، وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، حِينَ سُئِلَ عَنْ الْبَقَرَاتِ، وَلَوْ كُنْت مَكَانَهُ لَمَا أَخْبَرْتهمْ حَتَّى أَشْتَرِطَ أَنْ يُخْرِجُونِي. لَقَدْ عَجِبْت مِنْهُ حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ، لَوْ كُنْت مَكَانَهُ لَبَادَرْتهمْ الْبَابَ».
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا لَمْ يُرِدْ يُوسُفُ الْخُرُوجَ [مِنْ السِّجْنِ] حَتَّى تَظْهَرَ بَرَاءَتُهُ، لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْهِ الْمَلِكُ بِعَيْنِ الْخَائِنِ، فَيَسْقُطَ فِي عَيْنِهِ، أَوْ يَعْتَقِدَ لَهُ حِقْدًا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ سِجْنَهُ كَانَ جَوْرًا مَحْضًا، وَظُلْمًا صَرِيحًا، وَانْظُرُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ إلَى عَظِيمِ حِلْمِهِ، وَوُفُورِ أَدَبِهِ، كَيْفَ قَالَ: مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، فَذَكَرَ النِّسَاءَ جُمْلَةً، لِيُدْخِلَ فِيهِنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ مَدْخَلَ الْعُمُومِ بِالتَّلْوِيحِ، وَلَا يَقَعَ عَلَيْهَا تَصْرِيحٌ.
[الْآيَة الثَّالِثَةُ عَشْرَة وَالرَّابِعَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي]
فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: ٥٤] ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْمَلِكُ لِيُوسُفَ: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [يوسف: ٥٤] أَيْ مُتَمَكِّنٌ مِمَّا أَرَدْت، أَمِينٌ عَلَى مَا ائْتُمِنْتَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٌ، أَمَّا أَمَانَتُهُ فَلِمَا ظَهَرَ مِنْ بَرَاءَتِهِ، وَأَمَّا مَكَانَتُهُ فَلِأَنَّهُ ثَبَتَتْ عِفَّتُهُ وَنَزَاهَتُهُ.


الصفحة التالية
Icon