فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَسَنِ بْنِ بِنْتِهِ: إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ».
قُلْنَا: هَذَا مَجَازٌ، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهِ إلَى تَشْرِيفِهِ وَتَقْدِيمِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَفْيُهُ عَنْهُ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ فِي وَلَدِ بِنْتِهِ: لَيْسَ بِابْنِي، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً مَا جَازَ نَفْيُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا تُنْفَى عَنْ مُسَمَّيَاتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: إنَّهُ هَاشِمِيٌّ؛ وَلَيْسَ بِهِلَالِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ هِلَالِيَّةً. اللَّفْظُ الثَّالِثُ الذُّرِّيَّةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فِي الْأَشْهَرِ، فَكَأَنَّهُمْ وُجِدُوا عَنْهُ وَنُسِبُوا إلَيْهِ.
وَيَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَلَدُ الْبَنَاتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ﴾ [الأنعام: ٨٤]. إلَى أَنْ قَالَ: ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى﴾ [الأنعام: ٨٥] فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ. اللَّفْظُ الرَّابِعُ الْعَقِبُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ جَاءَ بَعْدَ شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ، يُقَالُ أَعْقَبَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، أَيْ جَاءَ بَعْدَ الشِّدَّةِ بِالرَّخَاءِ. وَأَعْقَبَ الشِّيبُ السَّوَادَ. وَالْمِعْقَابُ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا بَعْدَ أُنْثَى هَكَذَا أَبَدًا. وَعَقِبُ الرَّجُلِ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ الْبَاقُونَ بَعْدَهُ. وَالْعَاقِبَةُ: الْوَلَدُ قَالَ يَعْقُوبُ: وَفِي الْقُرْآنِ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨]. وَقِيلَ: بَلْ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ عَقِبُ. وَالْعَاقِبَةُ: الْوَلَدُ، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ هَاهُنَا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ هَاهُنَا: هُمْ الذُّرِّيَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: هُمْ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ.


الصفحة التالية
Icon