وَلَا خِلَافَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُغَايِرْ بَيْنَ الشَّرَائِعِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْمَكَارِمِ وَالْمَصَالِحِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَهَا فِي الْفُرُوعِ بِحَسْبِ مَا عَلِمَهُ سُبْحَانَهُ.
[مَسْأَلَة هَلْ شَرْعَ مِنْ قَبْلِنَا شَرْع لَنَا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ظَنَّ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مِنْ قَبْلِنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْرَدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِشَرِيعَةٍ؛ وَلَا نُنْكِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتَهُ مُنْفَرِدَانِ بِشَرِيعَةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ مِنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَالْعِظَةِ، هَلْ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ أَمْ لَا؟ وَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ ذَلِكَ، لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَقَدَّمْنَاهَا هُنَا وَفِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْبَيَانِ.
[الْآيَة الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا]
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: ٢١].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ: ﴿اجْتَرَحُوا﴾ [الجاثية: ٢١] مَعْنَاهُ افْتَعَلُوا مِنْ الْجُرْحِ؛ وَضَرَبَ تَأْثِيرَ الْجُرْحِ فِي الْبَدَنِ كَتَأْثِيرِ السَّيِّئَاتِ فِي الدِّينِ مَثَلًا، وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ الْأَمْثَالِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: ٢٨] فَإِنَّهَا عَلَى مَسَاقِهَا؛ فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهَا.


الصفحة التالية
Icon