وَمَعْنَى قَوْلِهِ: شَعِيرَةٌ. يُرِيدُ وَزْنَ شَعِيرَةٍ [مِنْ ذَهَبٍ]. وَقَدْ رُوِيَ [عَنْ] مُجَاهِدٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَصَدَّقَ فِي ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، وَنَاجَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَرُوِيَ [أَنَّهُ تَصَدَّقَ] بِخَاتَمٍ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ. وَقَدْ سَرَدَ الْمَسْأَلَةَ كَمَا يَجِبُ أَسْلَمُ فِي رِوَايَةِ زَيْدٍ ابْنِهِ عَنْهُ.
[مَسْأَلَة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْنَعُ أَحَدًا مُنَاجَاتَهُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْنَعُ أَحَدًا مُنَاجَاتَهُ. يُرِيدُ لَا يَسْأَلُهُ حَاجَةً إلَّا نَاجَاهُ بِهَا مِنْ شَرِيفٍ أَوْ دَنِيءٍ؛ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَأْتِيهِ فَيُنَاجِيهِ، كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَكَانَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا حَرْبًا عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ حَوْلَهُ. فَيَقُولُ لَهُ: أَتَدْرُونَ لِمَ نَاجَى فُلَانٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ إنَّمَا نَاجَاهُ؛ لِأَنَّ جُمُوعًا [كَثِيرَةً] مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ قَدْ خَرَجُوا لِيُقَاتِلُوكُمْ. قَالَ: فَيُحْزِنُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ سَمَّاعَةٌ يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ يُنَاجِيهِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ [التوبة: ٦١].
وَقَالَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [المجادلة: ٩] ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المجادلة: ١٠] فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ الْمُنَاجَاةِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾ [المجادلة: ١٢] لِيَنْتَهِيَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَنْ مُنَاجَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَرَفَ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ لَا يُقَدِّمُونَ بَيْنَ يَدَيْ نَجَوَاهُمْ صَدَقَةً؛ فَانْتَهَى أَهْلُ الْبَاطِلِ عَنْ النَّجْوَى، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَوَائِجِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -