وَهُوَ الرَّضَاعُ. وَعِتْقُ الْمِدْيَانِ يَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ، وَيُنْقِضُهُ الْحَاكِمُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ، وَالِاسْتِيلَادُ لَا يُنْقِضُهُ الْقَوْلُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ كَيْفِيَّةَ نَقْضِ الْعَهْدِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا تَحَقَّقَ نَقْضُ الْعَهْدِ فَلِمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ اُخْرُجُوا مِنْ بِلَادِي؟ وَلِمَ لَمْ يَأْخُذْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: قَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال: ٥٨].
فَإِنَّ قِيلَ: هَذَا مَا خَانَهُ، وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ بِخَبَرِ اللَّهِ عَنْهُ. قُلْنَا: الْخَوْفُ هَاهُنَا الْوُقُوعُ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْخَوْفِ مَوْجُودٌ مِنْ كُلِّ عَاقِدٍ.
وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَرْسَلَ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ وَحْدَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مَشْهُورًا، وَسَاقَهُ اللَّهُ إلَى مَا كَتَبَ مِنْ الْجَلَاءِ.
[الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ]
ِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: ٥].
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَطَعَ؛ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ»، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

لَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرٌ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ﴾ [الحشر: ٥] الْآيَةَ.
[مَسْأَلَة تَخْرِيبِ دَارِ الْعَدُوِّ وَحَرْقِهَا وَقَطْعِ ثِمَارِهَا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَتْ النَّاسُ فِي تَخْرِيبِ دَارِ الْعَدُوِّ وَحَرْقِهَا وَقَطْعِ ثِمَارِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.


الصفحة التالية
Icon