الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي تَعْيِينِ هَؤُلَاءِ. وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ غَيْرُ ذَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِلِ وَالْأُمَمِ وَمِنْ الصَّحَابَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ التَّابِعُونَ بَعْدَ قَرْنِ الصَّحَابَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَوَاهُ عَنْهُ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمَا؛ قَالُوا: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْفَيْءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾ [الحشر: ١٠].
[مَسْأَلَة كَيْفِيَّة قِسْمَة الْأَرْض الَّتِي فَتْحهَا الْمُسْلِمُونَ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ: هَذِهِ نَازِلَةٌ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهَا قَدِيمًا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا افْتَتَحَ الْفُتُوحَ عَلَى عُمَرَ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَاسْتَحَقَّ بِكِتَابِ اللَّهِ الْغَنِيمَةَ، فَسَأَلُوهُ الْقِسْمَةَ، فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْهَا، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ. فَمَا حَالَ الْحَوْلُ إلَّا وَقَدْ مَاتُوا.
وَقَالَ عُمَرُ: لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانَا مَا تَرَكْت قَرْيَةً اُفْتُتِحَتْ إلَّا قَسَمَتْهَا بَيْنَ أَهْلِهَا.
وَرَأَى الشَّافِعِيُّ الْقِسْمَةَ كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ، وَرَأَى مَالِكٌ أَقْوَالًا أَمْثَلُهَا أَنْ يَجْتَهِدَ الْوَالِي فِيهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ وَإِبْقَاءُ الْعَقَارِ وَالْأَرْضِ سَهْلًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، إلَّا أَنْ يَجْتَهِدَ الْوَالِي فَيُنْفِذَ أَمْرًا، فَيَمْضِي عَمَلُهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ عَلَيْهِ. وَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ الْفَيْءِ، وَجَعَلَهُ لِثَلَاثِ طَوَائِفَ: الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ مَعْلُومُونَ، ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾ [الحشر: ١٠] فَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التَّابِعِينَ وَالْآتِينَ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا بِبَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهَا.
وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْت أَنِّي رَأَيْت إخْوَانَنَا. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ


الصفحة التالية
Icon