نِدَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ فَأَمَّا غَيْرُهَا فَهُوَ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِهِ نِدَاءُ الْجُمُعَةِ لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِهِ بِهَا وَإِضَافَتِهِ إلَيْهَا مَعْنًى وَلَا فَائِدَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: كَانَ اسْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْعَرَبِ الْأَوَّلِ عُرُوبَةً، فَسَمَّاهَا الْجُمُعَةَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ؛ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا إلَى كَعْبٍ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا يُبْعِدُ اللَّهُ أَقْوَامًا هُمْ خَلَطُوا يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَصْرَامًا بِأَصْرَامٍ
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَوْلُهُ ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩]: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النِّيَّةُ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
الثَّانِي أَنَّهُ الْعَمَلُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الإسراء: ١٩] وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤]. وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السَّعْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ.
وَيُحْتَمَلُ ظَاهِرُهُ رَابِعًا: وَهُوَ الْجَرْيُ وَالِاشْتِدَادُ، وَهُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الصَّحَابَةُ الْأَعْلَمُونَ، وَالْفُقَهَاءُ الْأَقْدَمُونَ، وَقَرَأَهَا عُمَرُ: " فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ " فِرَارًا عَنْ ظَنِّ الْجَرْيِ وَالِاشْتِدَادِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ.
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ ذَلِكَ. وَقَالَ: لَوْ قَرَأْت فَاسْعَوْا لَسَعَيْت حَتَّى سَقَطَ رِدَائِي.
وَقَرَأَ ابْنُ شِهَابٍ: فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ سَالِكًا تِلْكَ السُّبُلَ، وَهُوَ كُلُّهُ تَفْسِيرٌ مِنْهُمْ، لَا قِرَاءَةٌ
قُرْآنٍ مُنَزَّلٍ، وَجَائِزٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّفْسِيرِ فِي مَعْرِضِ التَّفْسِيرِ.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ النِّيَّةُ؛ فَهُوَ أَوَّلُ السَّعْيِ وَمَقْصُودُهُ الْأَكْبَرُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ السَّعْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا عِيسَى بْنَ جُبَيْرٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ يَمْشِي إلَى


الصفحة التالية
Icon