فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ يَكُونُ الْمَجْزُوءُ وَالْمُرَبَّعُ مِنْ الرَّمَلِ تَارَةً مُصَرَّعًا وَتَارَةً غَيْرَ مُصَرَّعٍ، فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ مِنْ الْمَجْزُوءِ وَالْمُرَبَّعِ الْمُصَرَّعِ مِنْ الرَّمَلِ.
قُلْنَا: إنَّ الْبَيْتَ مِنْ الْقَصِيدَةِ إنَّمَا يَكُونُ مُصَرَّعًا إذَا كَانَ فِيهِ أَبْيَاتٌ أَوْ بَيْتٌ غَيْرُ مُصَرَّعٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَنْصَافُ أَبْيَاتِهِ كُلُّهَا عَلَى سَجْعٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ نِصْفٍ مِنْهَا بَيْتٌ بِرَأْسِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الرَّمَلِ مَا يَكُونُ عَلَى جُزْأَيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ جُزْآنِ، فَلَمْ يَرِدْ عَلَى شَرْطِ الرَّمَلِ.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ [الماعون: ١] ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ [الماعون: ٢] وَهَذَا
بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَقَعُ فِي أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ إلَّا بِحَذْفِ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَذَلِكَ﴾ [الماعون: ٢] وَبِتَمْكِينِ حَرَكَةِ الْمِيمِ مِنْ الْيَتِيمِ، فَيَكُونُ الْيَتِيمَا.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣]. فَقَوْلُهُ: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا﴾ [النمل: ٢٣] بَيْتٌ تَامٌّ، فَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا، وَأَنَّ بَعْضَ آيَةٍ وَجُزْءًا مِنْ كَلَامٍ لَا يَكُونُ شِعْرًا.
فَإِنْ قِيلَ: يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣] إتْمَامًا لِلْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى النَّظْمَيْنِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهِمْ قَالَ النَّابِغَةُ:
وَهُمْ وَرَدُوا الْجِفَارَ عَلَى تَمِيمٍ | وَهُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكَاظٍ إنِّي |
شَهِدْت لَهُمْ مَوَاطِنَ صَالِحَاتٍ | أَنَرْتُهُمُ بِنُصْحِ الْقَوْلِ مِنِّي |
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى﴾ [النجم: ٣٤] عَلَى نِصْفِ بَيْتٍ مِنْ الْمُتَقَارَبِ الْمُسْتَمِرِّ، وَهَذَا كَثِيرٌ.