الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ هَذَا يُبَيِّنُ وَجْهَ الْعَدَاوَةِ؛ فَإِنَّ الْعَدُوَّ لَمْ يَكُنْ عَدُوًّا لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَدُوًّا لِفِعْلِهِ، فَإِذَا فَعَلَ الزَّوْجُ وَالْوَلَدُ فِعْلَ الْعَدُوِّ كَانَ عَدُوًّا، وَلَا فِعْلَ أَقْبَحَ مِنْ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الطَّاعَةِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ فِي طَرِيقِ الْإِيمَانِ. فَقَالَ لَهُ: أَتُؤْمِنُ وَتَذَرُ دِينَك وَدِينَ آبَائِك، فَخَالَفَهُ فَآمَنَ. ثُمَّ قَعَدَ لَهُ عَلَى طَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُهَاجِرُ وَتَتْرُكُ أَهْلَك وَمَالَك؛ فَخَالَفَهُ فَهَاجَرَ؛ فَقَعَدَ لَهُ فِي طَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَتُجَاهِدُ فَتَقْتُلُ نَفْسَك وَتُنْكَحُ نِسَاؤُك، وَيُقْسَمُ مَالُك، فَخَالَفَهُ فَجَاهَدَ فَقُتِلَ، فَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ».
وَقُعُودُ الشَّيْطَانِ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا يَكُونُ بِالْوَسْوَسَةِ.
وَالثَّانِي: بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجَ وَالْوَلَدَ وَالصَّاحِبَ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [فصلت: ٢٥]. فِي حِكْمَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَنْ اتَّخَذَ أَهْلًا وَمَالًا وَوَلَدًا كَانَ لِلدُّنْيَا عَبْدًا.
وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ بَيَانُ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالُ الْعَبْدِ؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ، تَعِسَ فَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَفَشَ»، وَلَا دَنَاءَةَ أَعْظَمَ مِنْ عِبَادَةِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَلَا هِمَّةَ أَخَسَّ مِنْ هِمَّةٍ تَرْتَفِعُ بِثَوْبٍ جَدِيدٍ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ وَلَدُهُ وَزَوْجُهُ عَدُوًّا كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَكُونُ لَهَا وَلَدُهَا وَزَوْجُهَا عَدُوًّا بِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ.