وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: لَا نَدَعُ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا تَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ. فَأَنْكَرَ عُمَرُ وَعَائِشَةُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؛ لَكِنَّ عُمَرُ رَدَّهُ بِعُمُومِ الْقُرْآنِ، وَرَدَّتْهُ عَائِشَةُ بِعِلَّةِ تَوَحُّشِ مَكَانِهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُخَصِّصْ عُمُومَ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: ١]؛ فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ فِي تَحْرِيمِ الْإِخْرَاجِ وَالْخُرُوجُ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّجْعِيَّةِ، وَصَدَقَتْ. وَهَكَذَا هُوَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي الْمَبْتُوتَةِ ثَبَتَ مِنْ الْآيَةِ الْأُخْرَى؛ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦] حَسْبَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَجَاءَ مِنْ هَذَا أَنَّ لُزُومَ الْبَيْتِ لِلْمُعْتَدَّةِ شَرْعٌ لَازِمٌ، وَأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَدَثِ وَالْبَذَاءِ وَالْحَاجَةِ إلَى الْمَعَاشِ وَخَوْفِ الْعَوْرَةِ مِنْ السَّكَنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ: أَمَّا الْخُرُوجُ لِخَوْفِ الْبَذَاءِ وَالتَّوَحُّشِ وَالْحَاجَةِ إلَى الْمَعَاشِ؛ فَيَكُونُ انْتِقَالًا مَحْضًا.
وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلتَّصَرُّفِ لِلْحَاجَاتِ فَيَكُونُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ؛ إذْ لَا سَبِيلَ لَهَا إلَى الْبَيْتِ عَنْ مَنْزِلِهَا، وَإِنَّمَا تَخْرُجُ بِالْإِسْفَارِ وَتَرْجِعُ قَبْلَ الْإِغْطَاشِ وَتُمَكَّنُ فَحْمَةُ اللَّيْلِ؛ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تَفْعَلُ ذَلِكَ دَائِمًا. وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ، إنَّمَا يَكُونُ خُرُوجُهَا، فِي الْعِدَّةِ
كَخُرُوجِهَا فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ فَرْعُ النِّكَاحِ، لَكِنَّ النِّكَاحَ يَقِفُ الْخُرُوجُ فِيهِ عَلَى إذْنِ الزَّوْجِ، وَيَقِفُ فِي الْعِدَّةِ عَلَى إذْنِ اللَّهِ؛ وَإِذْنُ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ الْعُذْرِ الْمُوجِبِ لَهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ﴾ [الطلاق: ١] وَكَانَ هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَمَا بَيَّنَّا كَانَتْ السُّكْنَى حَقًّا عَلَيْهِنَّ لِلَّهِ، وَكَانَتْ النَّفَقَةُ حَقًّا عَلَى


الصفحة التالية
Icon