الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ﴾ [الطلاق: ٦]: الْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ رَضَاعِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَغَيْرُهَا تُرْضِعُ يَعْنِي إنْ قَبِلَ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ كَمَا تَقَدَّمَ لَزِمَهَا وَلَمْ يَنْفَعْهَا تَعَاسُرُهَا مَعَ الْأَبِ.
[مَسْأَلَة هَلْ النَّفَقَةَ مُقَدَّرَة شَرْعًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: ٧]: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ مُقَدَّرَةً شَرْعًا، وَإِنَّمَا تَتَقَدَّرُ عَادَةً بِحَسَبِ الْحَالَةِ مِنْ الْمُنْفِقِ وَالْحَالَةُ مِنْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، فَتُقَدَّرُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَةِ.
وَقَدْ فَرَضَ عُمَرُ لِلْمَنْفُوسِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي الْعَامِ بِالْحِجَازِ، وَالْقُوتُ بِهَا مَحْبُوبٌ، وَالْمِيرَةُ عَنْهُ بَعِيدَةٌ، وَيَنْظُرُ الْمُفْتِي إلَى قَدْرِ حَاجَةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى حَالَةِ الْمُنْفِقِ؛ فَإِنْ احْتَمَلَتْ الْحَالَةُ الْحَاجَةَ أَمْضَاهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصُرَتْ حَالَتُهُ عَنْ حَالَةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ رَدَّهَا إلَى قَدْرِ احْتِمَالِ حَالِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: ٧]؛
فَإِذَا كَانَ لِلْعَبْدِ مَا يَكْفِيهِ، وَيَفْضُلُ عَنْهُ فَضْلٌ أَخَذَهُ وَلَدُهُ، وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ؛ وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِهِ أَوَّلًا، لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ لَهُ؛ بَلْ يُقَدَّرُ لَهُ الْوَسَطُ، حَتَّى إذَا اسْتَوْفَاهُ عَادَ الْفَضْلُ إلَى سِوَاهُ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ»؛ فَأَحَالَهَا عَلَى الْكِفَايَةِ حِينَ عَلِمَ السَّعَةَ مِنْ حَالِ أَبِي سُفْيَانَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِطَلَبِهَا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي تَقْدِيرِ الْإِنْفَاقِ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنَّمَا أَحَالَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْعَادَةِ، وَهِيَ دَلِيلٌ أُصُولِيٌّ بَنَى اللَّهُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ، وَرَبَطَ بِهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ؛ وَقَدْ أَحَالَهُ اللَّهُ عَلَى الْعَادَةِ فِيهِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَقَالَ: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ [المائدة: ٨٩].


الصفحة التالية
Icon