كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَاجِعْنَهُ. فَاحْتَزَمَ ثَوْبَهُ، فَخَرَجَ إلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ لَهَا: أَتُرَاجِعِينَ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَكْرَهُ مَا فَعَلْت. فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَجَرَ نِسَاءَهُ قَالَ: رَغْمَ أَنْفِ حَفْصَةَ.
وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَسَلِ، وَأَنَّهُ شَرِبَهُ عِنْدَ زَيْنَبَ، وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ فِيهِ، وَجَرَى مَا جَرَى، فَحَلَفَ أَلَّا يَشْرَبَهُ، وَأَسَرَّ ذَلِكَ، وَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الْجَمِيعِ.
[مَسْأَلَة حَرَّمَ وَلَمْ يَحْلِفْ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ﴾ [التحريم: ١] إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ وَلَمْ يَحْلِفْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ عِنْدَنَا فِي الْمَعْنَى، وَلَا يُحَرِّمُ شَيْئًا قَوْلُ الرَّجُلِ: هَذَا حَرَامٌ عَلَيَّ، حَاشَا الزَّوْجَةَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ دُونَ الْمَلْبُوسِ، وَكَانَتْ يَمِينًا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ.
[وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ يَمِينٌ فِي الْكُلِّ، حَتَّى فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ. وَعَوَّلَ الْمُخَالِفُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ الْعَسَلَ، فَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ].
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم: ٢] فَسَمَّاهُ يَمِينًا؛ وَعَوَّلَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ التَّحْرِيمُ، فَإِذَا وُجِدَ مَلْفُوظًا بِهِ تَضَمَّنَ مَعْنَاهُ كَالْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: ٨٧]. وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩] فَذَمَّ اللَّهُ الْمُحَرِّمَ لِلْحَلَالِ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةً.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَهَذَا يَنْقُضُ مَذْهَبَ الْمُخَالِفِينَ: زُفَرَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،