صِيغَةَ الْخَبَرِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا الْأَمْرُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ لَوْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ خَبَرٍ وَاقِعٍ لَمَا كَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ يُنْتَظَرُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ ضَرُورَةً. فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لِأَبِيهِ إبْرَاهِيمَ: ﴿افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ [الصافات: ١٠٢]؛ فَعَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالِانْقِيَادِ إلَى مَعْنَى خَبَرِ أَبِيهِ، وَهُوَ الْأَمْرُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات: ١٠٥] حِينَ تَيَسَّرَا لِلْعَمَلِ، وَأَقْبَلَا عَلَى الْفِعْلِ؛ فَكَانَ صَدَقَهَا ذِبْحُهَا مَكَانَهَا، وَهُوَ الْفِدَاءُ، وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا فِي الْمَعْنَى ضَرُورَةً، فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ إبْرَاهِيمَ امْتِثَالًا، وَمِنْ إسْمَاعِيلَ انْقِيَادًا، وَوُضِّحَتْ الْمَعَانِي بِحَقِيقَتِهَا، وَجَرَتْ الْأَلْفَاظُ عَلَى نِصَابِهَا لِصَوَابِهَا، وَلَمْ يُحْتَجْ إلَى تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ يَقْلِبُ الْجِلْدَ نُحَاسًا أَوْ غَيْرَهُ.
[مَسْأَلَة نَذَرَ الرَّجُلُ ذَبْحَ وَلَدِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ لَمَّا قَرَّرْنَا حَظَّ التَّفْسِيرِ وَالْأُصُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَرَكَّبَتْ عَلَيْهَا مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ إذَا نَذَرَ الرَّجُلُ ذَبْحَ وَلَدِهِ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ مَعْصِيَةٌ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ كَلِمَةٌ يَلْزَمُهُ بِهَا ذَبْحُ شَاةٍ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ فِي تَفْصِيلٍ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ.
وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي نَنْظُرُهُ الْآنَ.
وَدَلِيلُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ذَبْحَ الْوَلَدِ عِبَارَةً عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ شَرْعًا، فَأَلْزَمَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ ذَبْحَ الْوَلَدِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ، وَكَذَلِكَ إذَا نَذَرَ الْعَبْدُ ذَبْحَ وَلَدِهِ يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ؛ لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: ٧٨]. وَالْإِيمَانُ إلْزَامٌ أَصْلِيٌّ. وَالنَّذْرُ إلْزَامٌ فَرْعِيٌّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَحْمُولًا.