وَقَالَ: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ [النبأ: ١٠] ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: ١١] وَأَشَارَ هَاهُنَا إلَى أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ يُتَصَرَّفُ فِيهِ لِلْمَعَاشِ، كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي النَّهَارِ، وَيَتَقَلَّبُ فِي الْحَالِ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَيْلٍ، فَقَالَ لَهُ: السُّرَى يَا جَابِرُ». وَخَاصَّةً الْمُسَافِرُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ كُنْت قَدْ قَيَّدْت فِي فَوَائِدِي بِالْمَنَارِ أَنَّ الْأَخْفَشَ قَالَ لِمُؤَرِّجٍ: مَا وَجْهُ مَنْ حَذَفَ مِنْ عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ الْيَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: يَسْرِي؟ فَسَكَتَ عَنْهَا سَنَةً، ثُمَّ قُلْنَا لَهُ: نَخْتَلِفُ إلَيْك نَسْأَلُك مُنْذُ عَامٍ عَنْ هَذِهِ.
الْمَسْأَلَةِ فَلَا تُجِيبُنَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا حَذَفَهَا لِأَنَّ اللَّيْلَ يُسْرَى فِيهِ وَلَا يَسْرِي. فَعَجِبْت مِنْ هَذَا الْجَوَابِ الْمُقَصِّرِ مِنْ غَيْرِ مُبْصِرٍ؛ فَقَالَ لِي بَعْضُ أَشْيَاخِي: تَمَامُهُ فِي بَيَانِهِ أَنَّ ذَلِكَ لِفِقْهٍ، هُوَ أَنَّ الْحَذْفَ يَدُلُّ عَلَى الْحَذْفِ، وَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ.
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ.
[الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّك بِعَادٍ إرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ]
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ [الفجر: ٦] ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ [الفجر: ٧]: فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَمَّا " عَادٌ " فَمَعْلُومَةٌ قَدْ جَرَى ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا، وَعَظُمَ أَمْرُهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: إرَمَ فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ اسْمُ جَدِّ عَادٍ؛ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ. الثَّانِي: إرَمُ: أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.