الْقَسَمَ؛ فَقَالَ: أُقْسِمُ، لِيَكُونَ فَرْقًا بَيْنَ الْيَمِينِ الْمُبْتَدَأَةِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ الَّتِي تَكُونُ رَدًّا؛ قَالَهُ الْفَرَّاءُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَمَّا كَوْنُهَا صِلَةً فَقَدْ ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢] فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ أَنَّهُ صِلَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي ص: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ﴾ [ص: ٧٥]
وَالنَّازِلَةُ وَاحِدَةٌ، وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ؛ فَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَعُودُ إلَى اللَّفْظِ خَاصَّةً.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَوْكِيدٌ فَلَا مَعْنَى لَهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيدَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا ظَهَرَ الْمُؤَكِّدُ؛ كَقَوْلِهِ: لَا وَاَللَّهِ لَا أَقُومُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَكِّدٌ فَلَا وَجْهَ لِلتَّأْكِيدِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ:
فَلَا وَأَبِيكِ ابْنَةَ الْعَامِرِيِّ | لَا يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنِّي أَفِرُّ |
وَمِنْ أَغْرَبِ هَذَا أَنَّهُ قَدْ تُضْمَرُ وَيُنْفَى مَعْنَاهَا، كَمَا قَالَ أَبُو كَبْشَةَ:
فَقُلْت يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا | وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي |
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا رَدٌّ فَهُوَ قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ رَدٌّ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى، وَيَتَمَكَّنُ اللَّفْظُ وَالْمُرَادُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَأَمَّا مَنْ قَرَأَهَا: لَأُقْسِمُ فَاخْتَلَفُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَهَا فِي الْخَطِّ كَمَا حَذَفَهَا فِي اللَّفْظِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ فَإِنَّ خَطَّ الْمُصْحَفِ أَصْلٌ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَكْتُبُهَا وَلَا أَلْفِظُ بِهَا، كَمَا كَتَبُوا " لَا إلَى الْجَحِيمِ ". و " لَا إلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ " بِأَلِفٍ، وَلَمْ يَلْفِظُوا بِهَا، وَهَذَا يَلْزَمُهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥] وَشِبْهِهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ.