ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] قَالَ جُلَسَاؤُهُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُمَا قَدْ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: «فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحُمُرِ، فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٨]».
وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ مَا فَسَّرْنَا بِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا بِالْبَلَاءِ كَمَا تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ بِالْجَزَاءِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ سَرَدْنَا مِنْ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا سَرَدْنَا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ، وَمِنْ تَمَامِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْحُمُرِ، وَسَكَتَ عَنْ الْبِغَالِ، وَالْجَوَابُ فِيهِمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَغْلَ وَالْحِمَارَ لَا كَرَّ فِيهِمَا وَلَا فَرَّ. فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي الْخَيْلِ مِنْ الْأَجْرِ الدَّائِمِ وَالثَّوَابِ الْمُسْتَمِرِّ سَأَلَ السَّائِلُ عَنْ الْحُمُرِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ بَغْلٌ، وَلَا دَخَلَ الْحِجَازَ مِنْهَا [شَيْءٌ] إلَّا بَغْلَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[الدُّلْدُلُ] الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقَسُ، فَأَفْتَاهُ فِي الْحَمِيرِ بِعُمُومِ الْآيَةِ، وَإِنَّ فِي الْحِمَارِ مَثَاقِيلَ ذَرٍّ كَثِيرَةً.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَجْهَ هَذَا الدَّلِيلِ وَنَوْعَهُ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ أَوْ غَيْرِهِ وَتَحْقِيقُهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.


الصفحة التالية
Icon