[سُورَةُ تَبَّتْ] [مَسْأَلَةُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا]
ْ [وَفِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ]. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [عَنْهُ] قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] وَرَهْطَك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا وَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، وَأَنَّ الْعَدُوَّ مُصْبِحُكُمْ أَوْ مُمْسِيكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْك كَذِبًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتنَا؟ تَبًّا لَك، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد: ١]. إلَى آخِرِهَا».هَكَذَا قَرَأَهَا الْأَعْمَشُ عَلَيْنَا يَوْمَئِذٍ، زَادَ الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ: «فَلَمَّا سَمِعَتْ امْرَأَتُهُ مَا نَزَلَ فِي زَوْجِهَا وَفِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ، أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِ أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَرَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَيْنَ صَاحِبُك؟ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَهْجُونِي، فَوَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْته لَضَرَبْت بِهَذَا الْفِهْرِ فَاهُ، وَاَللَّهِ إنِّي لَشَاعِرَةٌ:
مُذَمَّمًا عَصَيْنَا | وَأَمْرُهُ أَبَيْنَا |
ثُمَّ انْصَرَفَتْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا تَرَاهَا رَأَتْك؟ قَالَ: مَا رَأَتْنِي، لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا عَنِّي».