وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: يَأْهَلَ الْخَنْدَقِ؛ إنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُؤْرًا فَحَيَّ هَلَّا بِكُمْ».
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْمِحْرَابِ، قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ سَبَأٍ.
[مَسْأَلَة الْخَصْمَانِ اللَّذَانِ دَخَلَا عَلَى دَاوُد]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ: ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ﴾ [ص: ٢٢]: قِيلَ: إنَّهُمَا كَانَا إنْسِيَّيْنِ؛ قَالَهُ النَّقَّاشُ. وَقِيلَ: مَلَكَيْنِ؛ قَالَهُ جَمَاعَةٌ.
وَعَيَّنَهُمَا جَمَاعَةٌ، فَقَالُوا: إنَّهُمَا كَانَا جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَرَبُّك أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ، بَيْدَ أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ قَوْلًا تَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى الْغَرَضِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مِحْرَابَ دَاوُد كَانَ مِنْ الِامْتِنَاعِ بِالِارْتِفَاعِ بِحَيْثُ لَا يَرْقَى إلَيْهِ آدَمِيٌّ بِحِيلَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ إلَيْهِ أَيَّامًا أَوْ أَشْهُرًا بِحَسْبِ طَاقَتِهِ، مَعَ أَعْوَانٍ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ، وَآلَاتٍ جَمَّةٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ.
وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يُوصَلُ إلَيْهِ مِنْ بَابِ الْمِحْرَابِ لَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ ذَلِكَ: ﴿تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: ٢١]؛ إذْ لَا يُقَالُ تَسَوَّرَ الْمِحْرَابَ وَالْغُرْفَةَ لِمَنْ طَلَعَ إلَيْهَا مِنْ دَرَجِهَا، وَجَاءَهَا مِنْ أَسْفَلِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَجَازًا. وَإِذَا شَاهَدْت الْكُوَّةَ الَّتِي يُقَالُ إنَّهُ دَخَلَ مِنْهَا الْخَصْمَانِ عَلِمْت قَطْعًا أَنَّهُمَا مَلَكَانِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْعُلُوِّ بِحَيْثُ لَا يَنَالُهَا إلَّا عُلْوِيٌّ، وَلَا نُبَالِي مَنْ كَانَا فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُك بَيَانًا، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ وَرَاءَ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَة لِمَ فَزِعَ دَاوُد وَهُوَ نَبِيٌّ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْلُهُ: ﴿فَفَزِعَ مِنْهُمْ﴾ [ص: ٢٢]: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ فَزِعَ وَهُوَ نَبِيٌّ وَقَدْ قَوِيَتْ نَفْسُهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَاطْمَأَنَّتْ بِالْوَحْيِ، وَوَثِقَتْ بِمَا آتَاهُ اللَّهُ مِنْ الْمَنْزِلَةِ، وَأَظْهَرَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْآيَاتِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْعِصْمَةَ، وَلَا أَمِنَ مِنْ الْقَتْلِ وَالْإِذَايَةِ، وَمِنْهُمَا. كَانَ يَخَافُ،