الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَكْفِلْنِيهَا﴾ [ص: ٢٣]: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: مِنْ كَفْلِهَا أَيْ ضَمِّهَا أَيْ اجْعَلْهَا تَحْتَ كَفَالَتِي. الثَّانِي: أَعْطِنِيهَا. وَيَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ مَعْنًى. الثَّالِثُ: تُحَوَّلُ لِي عَنْهَا؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَيَرْجِعُ إلَى الْعَطَاءِ وَالْكَفَالَةِ إلَّا أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْكَفَالَةِ وَأَخَصُّ مِنْ الْعَطَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣]. يَعْنِي غَلَبَنِي، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَنْ عَزَّ بَزَّ.
وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الْغَلَبَةِ؛ فَقِيلَ مَعْنَاهُ: غَلَبَنِي بِبَيَانِهِ. وَقِيلَ: غَلَبَنِي بِسُلْطَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ خِلَافَهُ.
كَانَ بِبَلَدِنَا أَمِيرٌ يُقَالُ لَهُ سَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَكَلَّمْته فِي أَنْ يَسْأَلَ لِي رَجُلًا حَاجَةً، فَقَالَ لِي: أَمَا عَلِمْت أَنَّ طَلَبَ السُّلْطَانِ الْحَاجَةَ غَصْبٌ لَهَا. فَقُلْت: أَمَّا إذَا كَانَ عَدْلًا فَلَا.
فَعَجِبْت مِنْ عُجْمَتِهِ وَحِفْظِهِ لِمَا تَمَثَّلَ بِهِ، وَفِطْنَتِهِ، كَمَا عَجِبَ مِنْ جَوَابِي لَهُ وَاسْتَغْرَبَهُ.
[الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى لَقَدْ ظَلَمَك بِسُؤَالِ نَعْجَتِك إلَى نِعَاجِهِ]
ِ} [ص: ٢٤].
الظُّلْمُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا شَرْعًا، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا عَادَةً، فَإِنْ كَانَ غَلَبَهُ عَادَةً عَلَى أَهْلِهِ فَهُوَ ظُلْمٌ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ كَانَ سَأَلَهُ إيَّاهَا فَهُوَ ظُلْمٌ مَكْرُوهٌ شَرْعًا وَعَادَةً، وَلَكِنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيهِ