﴿كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: ٣٧] لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأَمْرِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالشَّافِعِيُّ: مَوْضِعُهُ ﴿وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨] لِأَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ، وَغَايَةُ الْعِبَادَةِ وَالِامْتِثَالِ.
وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَسْجُدَانِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: ٣٧].
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْجُدُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨].
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اُسْجُدُوا بِالْآخِرَةِ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مَسْرُوقٍ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ؛ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي صَالِحٍ؛ وَيَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، وَطَلْحَةُ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ.
وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ، وَقَتَادَةُ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَسْجُدُونَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨]، وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ.
[الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ]
ُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٤]
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رُوِيَ أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا: إنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا يَسَارُ أَبُو فَكِيهَةَ مَوْلًى مِنْ قُرَيْشٍ، وَسَلْمَانُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَهَذَا يَصِحُّ فِي يَسَارٍ، لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ، وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ؛ وَأَمَّا سَلْمَانُ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ النَّاسِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي مَعْنَى الْآيَةِ: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَوْ نَزَلَ بِاللُّغَةِ
الْأَعْجَمِيَّةِ لَقَالَتْ قُرَيْشٌ لِمُحَمَّدٍ: يَا مُحَمَّدُ؛ إذَا أُرْسِلْت إلَيْنَا بِهِ فَهَلَّا فَصَّلْت آيَاتِهِ، أَيْ بَيَّنْت وَأَحْكَمْت.